responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2501
التجربة، وضريبة الابتلاء، الواجبة الأداء! أما الذين خاضوا في الإفك، فلكل منهم بقدر نصيبه من تلك الخطيئة: «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ» .. ولكل منهم نصيبه من سوء العاقبة عند الله. وبئس ما اكتسبوه، فهو إثم يعاقبون عليه في حياتهم الدنيا وحياتهم الأخرى: «وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ» يناسب نصيبه من ذلك الجرم العظيم.
والذي تولى كبره، وقاد حملته، واضطلع منه بالنصيب الأوفى، كان هو عبد الله بن أبي بن سلول.
رأس النفاق، وحامل لواء الكيد. ولقد عرف كيف يختار مقتلا، لولا أن الله كان من ورائه محيطا، وكان لدينه حافظا، ولرسوله عاصما، وللجماعة المسلمة راعيا.. ولقد روي أنه لما مر صفوان بن المعطل بهودج أم المؤمنين وابن سلول في ملأ من قومه قال: من هذه؟ فقالوا: عائشة رضي الله عنها.. فقال: والله ما نجت منه ولا نجا منها. وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها! وهي قولة خبيثة راح يذيعها- عن طريق عصبة النفاق- بوسائل ملتوية. بلغ من خبثها أن تموج المدينة بالفرية التي لا تصدق، والتي تكذبها القرائن كلها. وأن تلوكها ألسنة المسلمين غير متحرجين. وأن تصبح موضوع أحاديثهم شهرا كاملا. وهي الفرية الجديرة بأن تنفى وتستبعد للوهلة الأولى.
وإن الإنسان ليدهش- حتى اليوم- كيف أمكن أن تروج فرية ساقطة كهذه في جو الجماعة المسلمة حينذاك. وأن تحدث هذه الآثار الضخمة في جسم الجماعة، وتسبب هذه الآلام القاسية لأطهر النفوس وأكبرها على الإطلاق.
لقد كانت معركة خاضها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وخاضتها الجماعة المسلمة يومذاك. وخاضها الإسلام. معركة ضخمة لعلها أضخم المعارك التي خاضها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وخرج منها منتصرا كاظما لآلامه الكبار، محتفظا بوقار نفسه وعظمة قلبه وجميل صبره. فلم تؤثر عنه كلمة واحدة تدل على نفاد صبره وضعف احتماله. والآلام التي تناوشه لعلها أعظم الآلام التي مرت به في حياته. والخطر على الإسلام من تلك الفرية من أشد الأخطار التي تعرض لها في تاريخه.
ولو استشار كل مسلم قلبه يومها لأفتاه ولو عاد إلى منطق الفطرة لهداه. والقرآن الكريم يوجه المسلمين إلى هذا المنهج في مواجهة الأمور، بوصفه أول خطوة في الحكم عليها:
«لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً، وَقالُوا: هذا إِفْكٌ مُبِينٌ» ..
نعم كان هذا هو الأولى.. أن يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا. وأن يستبعدوا سقوط أنفسهم في مثل هذه الحمأة.. وامرأة نبيهم الطاهرة وأخوهم الصحابي المجاهد هما من أنفسهم. فظن الخير بهما أولى.
فإن ما لا يليق بهم لا يليق بزوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا يليق بصاحبه الذي لم يعلم عنه إلا خيرا.. كذلك فعل أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته- رضي الله عنهما- كما روى الإمام محمد ابن إسحاق: أن أبا أيوب قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة- رضي الله عنها؟ - قال: نعم. وذلك الكذب. أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله.
قال: فعائشة والله خير منك.. ونقل الإمام محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره: «الكشاف» أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب: ألا ترين ما يقال؟ فقالت: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سوءا؟ قال: لا. قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة- رضي الله عنها-

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2501
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست