نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2496
الإثم عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر. وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف. فذلك الذي يريبني منه، ولا أشعر بالشر حتى نقهت، فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط. فأقبلت أنا وأم مسطح- وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- حين فرغنا من شأننا نمشي. فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئسما قلت. أتسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت: يا هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ فقلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي. فلما رجعت إلى بيتي دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف تيكم؟
فقلت: ائذن لي أن آتي أبوي. وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي، فأتيت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقلت: سبحان الله! ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد- رضي الله عنهما- حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله.
قالت: فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم. فقال أسامة: هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تخبرك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة [1] فقال لها: أي بريرة. هل رأيت فيها شيئا يريبك؟ فقالت: لا والذي بعثك بالحق نبيا إن رأيت منها أمرا أغمصه [2] عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن [3] فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، واستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول. فقال وهو على المنبر: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي. قالت: فقام سعد بن معاذ [4] - رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه. إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد بن عبادة- رضي الله عنه- وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا ولكن أخذته الحمية. فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن حضير رضي الله عنه وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت- لعمر الله- لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان- الأوس [1] حقق الإمام شمس الدين أبو عبد الله بن قيم الجوزية أن الجارية التي سئلت لم تكن هي بريرة لأن بريرة إنما كاتبت وعتقت بعد هذا بمدة طويلة. إنما قال الإمام علي كرم الله وجهه: فسل الجارية تخبرك فظن بعض الرواة أنها بريرة فسماها. [2] أغمصه: أعيبه [3] الداجن: الشاة في البيت. [4] في رواية ابن اسحق أن الذي قال هذا وذلك هو أسيد بن حضير. وحقق الإمام ابن قيم الجوزية في زاد المعاد أن سعد بن معاذ كان قد توفي بعد غزوة بني قريظة قبل حديث الإفك وأن الذي قال ما قيل هو أسيد بن حضير وكذلك قال الإمام ابن حزم مستشهدا برواية عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة وليس فيها ذكر سعد بن معاذ.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2496