responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2482
وكذلك لم يكن جرمكم أنكم كفرتم فحسب، واقتصرتم على أنفسكم بالكفر وهو جرم عظيم إنما بلغ بكم السفه والتوقح أن تسخروا ممن آمنوا، وراحوا يرجون غفران ربهم ورحمته وأن تضحكوا منهم حتى ليشغلكم هذا الهذر عن ذكر الله، ويباعد بينكم وبين التدبر والتفكر في دلائل الإيمان المبثوثة في صفحات الوجود.. فانظروا اليوم أين مكانكم ومكان أولئك الذين كنتم تسخرون منهم وتضحكون:
«إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ» ..
وبعد هذا الرد القاسي المهين، وبيان أسبابه، وما في هذا البيان من ترذيل وتبكيت.. يبدأ استجواب جديد:
«قالَ: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟» ..
وإن الله- سبحانه- ليعلم. ولكنه سؤال لاستصغار أمر الأرض، واستقصار أيامهم فيها. وقد باعوا بها حياة الخلود.. وإنهم ليحسون اليوم بقصر تلك الحياة وضآلتها. وإنهم ليائسون ضيقو الصدر، لا يعنيهم حسابها وعدتها:
«قالُوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. فَسْئَلِ الْعادِّينَ» ..
وهي إجابة الضيق واليأس والأسى والقنوط! والرد: إنكم لم تلبثوا إلا قليلا بالقياس إلى ما أنتم عليه مقبلون لو كنتم تحسنون التقدير:
«قالَ: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ..
ثم عودة إلى الترذيل والتعنيف على تكذيبهم بالآخرة، مع التبصير بحكمة البعث المكنونة منذ أول الخلق:
«أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ؟» ..
فحكمة البعث من حكمة الخلق. محسوب حسابها، ومقدر وقوعها، ومدبر غايتها. وما البعث إلا حلقة في سلسلة النشأة، تبلغ بها كمالها، ويتم فيها تمامها. ولا يغفل عن ذلك إلا المحجوبون المطموسون، الذين لا يتدبرون حكمة الله الكبرى وهي متجلية في صفحات الكون، مبثوثة في أطواء الوجود..
وتنتهي سورة الإيمان بتقرير القاعدة الأولى للإيمان.. التوحيد.. وإعلان الخسارة الكبرى لمن يشركون بالله، في مقابل الفلاح في أول السورة للمؤمنين. وبالتوجه إلى الله في طلب الرحمة والغفران وهو أرحم الراحمين:
«فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ. وَقُلْ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» ..
هذا التعقيب يجيء بعد مشهد القيامة السابق وبعد ما حوته السورة قبل هذا المشهد من جدل وحجج ودلائل وبينات.. يجيء نتيجة طبيعية منطقية لكل محتويات السورة. وهو يشهد بتنزيه الله- سبحانه- عما يقولون ويصفون. ويشهد بأنه الملك الحق، والمسيطر الحق، الذي لا إله إلا هو. صاحب السلطان والسيطرة والاستعلاء: «رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» .
وكل دعوى بألوهية أحد مع الله، فهي دعوى ليس معها برهان. لا من الدلائل الكونية، ولا من منطق

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2482
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست