نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2481
وبها ينتهي مشهد الاحتضار. وإذا الحواجز قائمة بين قائل هذه الكلمة والدنيا جميعا. فلقد قضي الأمر، وانقطعت الصلات، وأغلقت الأبواب، وأسدلت الأستار:
«وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» ..
فلا هم من أهل الدنيا، ولا هم من أهل الآخرة. إنما هم في ذلك البرزخ بين بين، إلى يوم يبعثون.
ثم يستطرد السياق إلى ذلك اليوم، يصوره ويعرضه للأنظار.
«فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ» ..
إنما تقطعت الروابط، وسقطت القيم التي كانوا يتعارفون عليها في الدنيا «فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ» . وشملهم الهول بالصمت، فهم ساكنون لا يتحدثون «وَلا يَتَساءَلُونَ» .
ويعرض ميزان الحساب وعملية الوزن في سرعة واختصار.
«فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ» ..
وعملية الوزن بالميزان تجري على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير، وتجسيم المعاني في صور حسية، ومشاهد ذات حركة [1] .
ومشهد لفح النار للوجوه حتى تكلح، وتشوه هيئتها، ويكدر لونها.. مشهد مؤذ أليم.
وهؤلاء الذين خفت موازينهم خسروا كل شيء. فقد خسروا أنفسهم. وحين يخسر الإنسان نفسه فماذا يملك إذن؟ وما الذي يتبقى له. وقد خسر نفسه التي بين جنبيه، وخسر ذاته التي تميزه، فكأنما لم يكن له وجود.
وهنا يعدل عن أسلوب الحكاية إلى أسلوب الخطاب والمواجهة، فإذا العذاب الحسي- على فظاعته- أهون من التأنيب والخزي الذي يصاحبه. وكأنما نحن نراه اللحظة ونشهده في حوار ممض طويل:
«أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ!» ..
وكأنما يخيل إليهم- وقد سمعوا هذا السؤال- أنهم مأذونون في الكلام، مسموح لهم بالرجاء. وأن الاعتراف بالذنب قد يجدي في قبول الرجاء:
«قالُوا: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ. رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ» ..
وهو اعتراف تتجلى فيه المرارة والشقوة ... ولكن كأنما هم قد تجاوزوا حدهم وأساءوا أدبهم، فلم يكن مأذونا لهم في غير الإجابة على قدر السؤال. بل لعله كان سؤالا للتبكيت لا يطلب عليه منهم جواب. فهم يزجرون زجرا عنيفا قاسيا:
«قالَ: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ» ..
اخرسوا واسكتوا سكوت الأذلاء المهينين، فإنكم لتستحقون ما أنتم فيه من العذاب الأليم والشقاء المهين:
«إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ: رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي، وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ» .. [1] يراجع فصل التصوير الفني في كتاب: «التصوير الفني في القرآن» . «دار الشروق»
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2481