responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2478
ولقد كان مشركو العرب مضطربي العقيدة، لا ينكرون الله، ولا ينكرون أنه مالك السماوات والأرض، مدبر السماوات والأرض، المسيطر على السماوات والأرض.. ولكنهم مع ذلك يشركون معه آلهة مدعاة، يقولون: إنهم يعبدونها لتقربهم من الله، وينسبون له البنات. سبحانه وتعالى عما يصفون:
فهو هنا يأخذهم بمسلماتهم التي يقرون بها، ليصحح ذلك الاضطراب في العقيدة، ويردهم إلى التوحيد الخالص الذي تقود إليه مسلماتهم، لو كانوا يستقيمون على الفطرة ولا ينحرفون:
«قُلْ: لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ سَيَقُولُونَ: لِلَّهِ. قُلْ: أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ قُلْ: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ؟ سَيَقُولُونَ: لِلَّهِ. قُلْ: أَفَلا تَتَّقُونَ؟ قُلْ: مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ سَيَقُولُونَ: لِلَّهِ. قُلْ: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ؟» ..
وهذا الجدال يكشف عن مدى الاضطراب الذي لا يفيء إلى منطق، ولا يرتكن إلى عقل ويكشف عن مدى الفساد الذي كانت عقائد المشركين قد وصلت إليه في الجزيرة عند مولد الإسلام.
«قُلْ: لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟» .. فهو سؤال عن ملكية الأرض ومن فيها: «سَيَقُولُونَ: لِلَّهِ» .. ولكنهم مع ذلك لا يذكرون هذه الحقيقة وهم يتوجهون بالعبادة لغير الله: «قُلْ: أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟» .
«قُلْ: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» .. فهو سؤال عن الربوبية المدبرة، المصرفة للسماوات السبع والعرش العظيم. والسماوات السبع قد تكون أفلاكا سبعة، أو مجموعات نجمية سبعة، أو سدما سبعة، أو عوالم سبعة، أو أية خلائق فلكية سبعة. والعرش رمز للاستعلاء والهيمنة على الوجود.. فمن هو رب السماوات السبع ورب العرش العظيم؟ «سَيَقُولُونَ: لِلَّهِ» ولكنهم مع ذلك لا يخافون صاحب العرش، ولا يتقون رب السماوات السبع، وهم يشركون معه أصناما مهينة، ملقاة على الأرض لا تريم.. «قُلْ: أَفَلا تَتَّقُونَ» ..
«قُلْ: مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ؟ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟» .. فهو سؤال عن السيطرة والسطوة والسلطان. سؤال عمن بيده ملكية كل شيء ملكية استعلاء وسيطرة. ومن هو الذي يجير بقوته من يشاء فلا يناله أحد ولا يملك أحد أن يجير عليه، وأن ينقذ من يريده بسوء من عباده.. من؟
«سَيَقُولُونَ: لِلَّهِ» فما لهم يصرفون عن عبادة الله؟ وما لعقولهم تنحرف وتتخبط كالذي مسه السحر: «قُلْ: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ؟» .
ألا إنه الاضطراب والتخبط الذي يصاب به المسحورون! وفي اللحظة المناسبة لتقرير حقيقة ما جاءهم به الرسول- صلى الله عليه وسلم- من التوحيد، وبطلان ما يدعونه من الولد والشريك.. في اللحظة المناسبة بعد ذلك الجدل يجيء هذا التقرير:
«بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ. إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» .
يجيء هذا التقرير في أساليب شتى.. بالإضراب عن الجدل معهم، وتقرير كذبهم الأكيد: «بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» . ثم يفصل فيما هم كاذبون: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ» .. ثم يأتي بالدليل الذي ينفي دعواهم، ويصور ما في عقيدة الشرك من سخف واستحالة: «إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ» مستقلا بما خلقه، يصرفه حسب ناموس خاص فيصبح لكل جزء من الكون، أو لكل فريق

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2478
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست