responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2477
في صنعته. ويتبعه استخدام هذه الحواس والطاقات في تذوق الحياة والمتاع بها، بحس العابد لله في كل نشاط وكل متاع.
«وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ» .. فاستخلفكم فيها، بعد ما زودكم بالسمع والأبصار والأفئدة وأمدكم بالاستعدادات والطاقات الضرورية لهذه الخلافة.. «وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» .. فيحاسبكم على ما أحدثتم في هذه الخلافة من خير وشر، ومن صلاح وفساد، ومن هدى وضلال. فلستم بمخلوقين عبثا، ولا متروكين سدى إنما هي الحكمة والتدبير والتقدير.
«وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ» .. والحياة والموت حادثان يقعان في كل لحظة، وليس إلا الله يملك الموت والحياة فالبشر- أرقى الخلائق- أعجز من بث الحياة في خلية واحدة، وأعجز كذلك من سلب الحياة سلبا حقيقيا عن حي من الأحياء. فالذي يهب الحياة هو الذي يعرف سرها، ويملك أن يهبها ويستردها.
والبشر قد يكونون سببا وأداة لإزهاق الحياة، ولكنهم هم ليسوا الذين يجردون الحي من حياته على وجه الحقيقة. إنما الله هو الذي يحيي ويميت، وحده دون سواه.
«وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ» .. فهو الذي يملكه ويصرفه- كاختلاف الموت والحياة- وهو سنة كونية كسنة الموت والحياة. هذه في النفوس والأجساد، وهذه في الكون والأفلاك. وكما يسلب الحياة من الحي فيعتم جسده ويهمد، كذلك هو يسلب الضوء من الأرض فتعتم وتسكن. ثم تكون حياة ويكون ضياء، يختلف هذا على ذاك، بلا فتور ولا انقطاع إلا أن يشاء الله.. «أَفَلا تَعْقِلُونَ؟» وتدركون ما في هذا كله من دلائل على الخالق المدبر، المالك وحده لتصريف الكون والحياة؟
وهنا يعدل عن خطابهم وجدالهم، ليحكي مقولاتهم عن البعث والحساب، بعد كل هذه الدلائل والآيات:
«بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ. قالُوا: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ؟ لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ. إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ..
وتبدو هذه القولة مستنكرة غريبة بعد تلك الآيات والدلائل الناطقة بتدبير الله، وحكمته في الخلق، فقد وهب الإنسان السمع والبصر والفؤاد ليكون مسؤولا عن نشاطه وعمله، مجزيا على صلاحه وفساده والحساب والجزاء يكونان على حقيقتها في الآخرة، فالمشهود في هذه الأرض أن الجزاء قد لا يقع، لأنه متروك إلى موعده هناك.
والله يحيي ويميت فليس شيء من أمر البعث بعسير، والحياة تدب في كل لحظة، وتنشأ من حيث لا يدري إلا الله.
ولم يكف هؤلاء أن تقصر مداركهم عن إدراك حكمة الله، وقدرته على البعث، فإذا هم يسخرون مما يوعدون من البعث والجزاء. أن كان هذا الوعد قد قيل لهم ولآبائهم من قبل، ولم يقع بعد! «لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ. إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ..
والبعث متروك لموعده الذي ضربه الله له، وفق تدبيره وحكمته، لا يستقدم ولا يستأخر، تلبية لطلب جيل من أجيال الناس، أو استهزاء جماعة من الغافلين المحجوبين!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2477
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست