نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2469
المستغرقة في ملابسات هذه الأرض، وأوضاعها الباطلة، وقيمها الرخيصة.
وإشارة مجملة إلى عيسى ابن مريم وأمه. والآية البارزة في خلقه. وهي كآيات موسى كذب بها المكذبون.
«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً، وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ» ..
وتختلف الروايات في تحديد الربوة المشار إليها في هذا النص.. أين هي؟ أكانت في مصر، أم في دمشق، أم في بيت المقدس.. وهي الأماكن التي ذهبت إليها مريم بابنها في طفولته وصباه- كما تذكر كتبهم- وليس المهم تحديد موضعها، إنما المقصود هو الإشارة إلى إيواء الله لهما في مكان طيب، ينضر فيه النبت، ويسيل فيه الماء، ويجدان فيه الرعاية والإيواء.
وعند ما يصل إلى هذه الحلقة من سلسلة الرسالات، يتوجه بالخطاب إلى أمة الرسل وكأنما هم متجمعون في صعيد واحد، في وقت واحد، فهذه الفوارق الزمانية والمكانية لا اعتبار لها أمام وحدة الحقيقة التي تربط بينهم جميعا:
«يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً. إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» ..
إنه نداء للرسل ليمارسوا طبيعتهم البشرية التي ينكرها عليهم الغافلون: «كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ» .. فالأكل من مقتضيات البشرية عامة، أما الأكل من الطيبات خاصة فهو الذي يرفع هذه البشرية ويزكيها ويصلها بالملأ الأعلى.
ونداء لهم ليصلحوا في هذه الأرض: «وَاعْمَلُوا صالِحاً» .. فالعمل هو من مقتضيات البشرية كذلك.
أما العمل الصالح فهو الذي يميز الصالحين المختارين فيجعل لعملهم ضابطا وهدفا، وغاية موصولة بالملأ الأعلى.
وليس المطلوب من الرسول أن يتجرد من بشريته. إنما المطلوب أن يرتقي بهذه البشرية فيه إلى أفقها الكريم الوضيء، الذي أراده الله لها، وجعل الأنبياء روادا لهذا الأفق ومثلا أعلى. والله هو الذي يقدر عملهم بعد ذلك بميزانه الدقيق: «إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» .
وتتلاشى آماد الزمان، وأبعاد المكان، أمام وحدة الحقيقة التي جاء بها الرسل. ووحدة الطبيعة التي تميزهم.
ووحدة الخالق الذي أرسلهم. ووحدة الاتجاه الذي يتجهونه أجمعين:
«وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» ..