responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2442
البغي وهو يرد عن نفسه العدوان. وذلك على طريقة القرآن في استخدام المشاهد الكونية لاستجاشة القلوب، وفي ربط سنن الحق والعدل في الخلق بسنن الكون ونواميس الوجود..
وحين يصل السياق إلى هذا المقطع الفاصل من عرض دلائل القدرة في مشاهد الكون الكبرى يتوجه بالخطاب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليمضي في طريقه، غير ملتفت إلى المشركين وجدالهم له فلا يمكنهم من نزاعه في منهجه الذي اختاره الله له، وكلفه تبليغه وسلوكه.
«لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ، فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ، وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ. وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ. اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ؟ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ. إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» ..
إن لكل أمة منهجا وطريقة في الحياة والتفكير والسلوك والاعتقاد. هذا المنهج خاضع لسنن الله في تصريف الطبائع والقلوب وفق المؤثرات والاستجابات. وهي سنن ثابتة مطردة دقيقة. فالأمة التي تفتح قلوبها لدواعي الهدى ودلائله في الكون والنفس هي أمة مهتدية إلى الله بالاهتداء إلى نواميسه المؤدية إلى معرفته وطاعته.
والأمة التي تغلق قلوبها دون تلك الدواعي والدلائل أمة ضالة تزداد ضلالا كلما زادت إعراضا عن الهدى ودواعيه..
وهكذا جعل الله لكل أمة منسكا هم ناسكوه، ومنهجا هم سالكوه.. فلا داعي إذن لأن يشغل الرسول- صلى الله عليه وسلم- نفسه بمجادلة المشركين، وهم يصدون أنفسهم عن منسك الهدى، ويمعنون في منسك الضلال. والله يأمره ألا يدع لهم فرصة لينازعوه أمره، ويجادلوه في منهجه. كما يأمره أن يمضي على منهجه لا يتلفت ولا ينشغل بجدل المجادلين. فهو منهج مستقيم: «وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ» ..
فليطمئن إذن على استقامة منهجه. واستقامته هو على الهدى في الطريق.. فإن تعرض القوم لجداله فليختصر القول. فلا ضرورة لإضاعة الوقت والجهد:
«وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ» ..
فإنما يجدي الجدل مع القلوب المستعدة للهدى التي تطلب المعرفة وتبحث حقيقة عن الدليل. لا مع القلوب المصرة على الضلال المكابرة التي لا تحفل كل هذا الحشد من الدواعي والدلائل في الأنفس والآفاق وهي كثيرة معروضة للأنظار والقلوب.. فليكلهم إلى الله. فهو الذي يحكم بين المناسك والمناهج وأتباعها الحكم الفاصل الأخير:
«اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» ..
وهو الحكم الذي لا يجادل فيه أحد، لأنه لا جدال في ذلك اليوم، ولا نزاع في الحكم الأخير! والله يحكم بعلم كامل، لا يند عنه سبب ولا دليل، ولا تخفى عليه خافية في العمل والشعور. وهو الذي يعلم ما في السماء والأرض كله ومن ضمنه عملهم ونياتهم وهو بها محيط:
«أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ. إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ. إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» . وعلم الله الكامل الدقيق لا يخفى عليه شيء في السماء ولا في الأرض، ولا يتأثر بالمؤثرات التي تنسى وتمحو. فهو كتاب يضم علم كل شيء ويحتويه.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2442
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست