نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2441
الإنسان هو الذي سخر الأرض وما فيها لهذا الإنسان. وهو من أمر الله.
ولقد سخر الله له ما في الأرض مما وهبه من طاقات وإدراكات صالحة لاستغلال ثروات هذه الأرض، وما أودعه الله إياها من ثروات وطاقات ظاهرة وكامنة يكشف منها الإنسان واحدة بعد واحدة- وكلما احتاج إلى ثروة جديدة فض كنوزا جديدة. وكلما خشي أن ينفذ رصيده من تلك الكنوز تكشف له منها رصيد جديد.. وها هو ذا اليوم لم يستنفد بعد ثروة البترول وسائر الفلزات ثم فتح له كنز الطاقة الذرية والطاقة الإيدروجينية. وإن يكن بعد كالطفل يعبث بالنار فيحرق نفسه بها ويحرق سواه، إلا حين يهتدي بمنهج الله في الحياة، فيوجه طاقاتها وثرواتها إلى العمران والبناء، ويقوم بالخلافة في الأرض كما أرادها الله! «وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ» .. فهو الذي خلق النواميس التي تسمح بجريان الفلك في البحر. وعلم الإنسان كيف يهتدي إلى هذه النواميس، فيسخرها لمصلحته وينتفع بها هذا الانتفاع. ولو اختلفت طبيعة البحر أو طبيعة الفلك. أو لو اختلفت مدارك هذا الإنسان.. ما كان شيء من هذا الذي كان! «وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» .. وهو الذي خلق الكون وفق هذا النظام الذي اختاره له وحكم فيه تلك النواميس التي تظل بها النجوم والكواكب مرفوعة متباعدة، لا تسقط ولا يصدم بعضها بعضا..
وكل تفسير فلكي للنظام الكوني ما يزيد على أنه محاولة لتفسير الناموس المنظم للوضع القائم الذي أنشأه خالق هذا النظام. وإن كان بعضهم ينسى هذه الحقيقة الواضحة، فيخيل إليه أنه حين يفسر النظام الكوني ينفي يد القدرة عن هذا الكون ويستبعد آثارها! وهذا وهم عجيب وانحراف في التفكير غريب. فإن الاهتداء إلى تفسير القانون- على فرض صحته والنظريات الفلكية ليست سوى فروض مدروسة لتفسير الظواهر الكونية تصح أو لا تصح، وتثبت اليوم وتبطل غدا بفرض جديد- لا ينفي وجود واضع القانون. وأثره في إعمال هذا القانون..
والله سبحانه «يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ» بفعل ذلك الناموس الذي يعمل فيها وهو من صنعه.
«إِلَّا بِإِذْنِهِ» وذلك يوم يعطل الناموس الذي يعمله لحكمة ويعطله كذلك لحكمة.
وينتهي السياق في استعراض دلائل القدرة ودقة الناموس بالانتقال من الكون إلى النفس وعرض سنن الحياة والموت في عالم الإنسان:
«وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ» ..
والحياة الأولى معجزة، تتجدد في كل حياة تنشأ آناء الليل وأطراف النهار. وسرها اللطيف ما يزال غيبا يحار العقل البشري في تصور كنهه.. وفيه مجال فسيح للتأمل والتدبر..
والموت سر آخر يعجز العقل البشري عن تصور كنهه، وهو يتم في لحظة خاطفة، والمسافة بين طبيعة الموت وطبيعة الحياة مسافة عريضة ضخمة.. وفيه مجال فسيح للتأمل والتدبر..
والحياة بعد الموت- وهي غيب من الغيب، ولكن دليله حاضر من النشأة الأولى.. وفيه مجال كذلك للتأمل والتدبر..
ولكن هذا الإنسان لا يتأمل ولا يتدبر هذه الدلائل والأسرار: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ» ..
والسياق يستعرض هذه الدلائل كلها، ويوجه القلوب إليها في معرض التوكيد لنصرة الله لمن يقع عليه
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2441