responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2434
نجد من ذلك مثالا في قصة ابن أم مكتوم- رضي الله عنه- الأعمى الفقير الذي جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله. ويكرر هذا القول والرسول- صلى الله عليه وسلم- مشغول بأمر الوليد بن المغيرة يود لو يهديه إلى الإسلام ومعه صناديد قريش، وابن أم مكتوم لا يعلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مشغول بهذا الأمر. حتى كره، رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلحاحه فعبس وأعرض عنه.. فأنزل الله في هذا قرآنا يعاتب فيه الرسول عتابا شديدا:
«عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى! أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى؟ وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى؟ وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى؟ كَلَّا! إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ... » .
وبهذا رد الله للدعوة موازينها الدقيقة وقيمها الصحيحة. وصحح تصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي دفعته إليه، رغبته في هداية صناديد قريش، طمعا في إسلام من وراءهم وهم كثيرون. فبين الله له: أن استقامة الدعوة على أصولها الدقيقة أهم من إسلام أولئك الصناديد. وأبطل كيد الشيطان من الدخول إلى العقيدة من هذه الثغرة، وأحكم الله آياته. واطمأنت إلى هذا البيان قلوب المؤمنين.
ولقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يكرم ابن أم مكتوم. ويقول إذا رآه: «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» ويقول له: «هل لك من حاجة» واستخلفه على المدينة مرتين.
كذلك وقع ما رواه مسلم في صحيحه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد- هو ابن أبي وقاص- قال: كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- ستة نفر. فقال المشركون للنبي- صلى الله عليه وسلم-: أطرد هؤلاء لا يجترئون علينا.
قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان نسيت اسميهما. فوقع في نفس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» .
وهكذا رد الله للدعوة قيمها المجردة، وموازينها الدقيقة. ورد كيد الشيطان فيما أراد أن يدخل من تلك الثغرة. ثغرة الرغبة البشرية في استمالة كبراء قريش بإجابة رغبتهم في أن لا يحضر هؤلاء الفقراء مجلسهم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقيم الدعوة أهم من أولئك الكبراء، وما يتبع إسلامهم من إسلام الألوف معهم وتقوية الدعوة في نشأتها بهم- كما كان يتمنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والله أعلم بمصدر القوة الحقيقة، وهو الاستقامة التي لا ترعى هوى شخصيا ولا عرفا جاريا! ولعله مما يلحق بالمثلين المتقدمين ما حدث في أمر زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد زوجها من زيد بن حارثة- رضي الله عنه- وكان قد تبناه قبل النبوة، فكان يقال له: زيد بن محمد. فأراد الله أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة فقال تعالى: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» وقال: «وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ» .. وكان زيد- رضي الله عنه- أحب الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فزوجه من ابنة عمته زينب بنت جحش- رضي الله عنها- فلم تستقم بينهما الحياة.. وكانوا في الجاهلية يكرهون أن يتزوج المتبني مطلقة متبناه. فأراد الله سبحانه إبطال هذه العادة، كما أبطل نسبة الولد إلى غير أبيه. فأخبر رسوله- صلى الله عليه وسلم- أنه سيزوجه من زينب بعد أن يطلقها زيد- لتكون هذه السنة مبطلة لتلك العادة- ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخفى في نفسه ما أخبره به الله. وكان كلما

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2434
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست