responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2430
وسقطت فوقها البنيان، وكان منظرها هكذا موحشا كئيبا مؤثرا. داعيا إلى التأمل في صورتها الخالية وصورتها البادية. والربوع الخربة أوحش شيء للنفس وأشدها استجاشة للذكرى والعبرة والخشوع.
وإلى جوار القرى الخاوية على عروشها.. الآبار المعطلة المهجورة تذكر بالورد والورّاد وتتزاحم حولها الأخيلة وهي مهجورة خواء.
ثم إلى جوارها القصور المشيدة وهي خالية من السكان موحشة من الأحياء، تطوف بها الرؤى والأشباح، والذكريات والأطياف! يعرض السياق هذه المشاهد ثم يسأل في استنكار عن آثارها في نفوس المشركين الكفار:
«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها؟ أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها؟ فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» ! إن مصارع الغابرين حيالهم شاخصة موحية، تتحدث بالعبر، وتنطق بالعظات.. «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ» فيروها فتوحي لهم بالعبرة؟ وتنطق لهم بلسانها البليغ؟ وتحدثهم بما تنطوي عليه من عبر؟ «فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها» فتدرك ما وراء هذه الآثار الدوارس من سنة لا تتخلف ولا تتبدل. «أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها» فتسمع أحاديث الأحياء عن تلك الدور المهدمة والآبار المعطلة والقصور الموحشة؟.
أفلم تكن لهم قلوب؟ فإنهم يرون ولا يدركون، ويسمعون ولا يعتبرون «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» ! ويمعن في تحديد مواضع القلوب: «الَّتِي فِي الصُّدُورِ» زيادة في التوكيد، وزيادة في إثبات العمى لتلك القلوب على وجه التحديد! ولو كانت هذه القلوب مبصرة لجاشت بالذكرى، وجاشت بالعبرة، وجنحت إلى الإيمان خشية العاقبة الماثلة في مصارع الغابرين، وهي حولهم كثير.
ولكنهم بدلا من التأمل في تلك المصارع، والجنوح إلى الإيمان، والتقوى من العذاب.. راحوا يستعجلون بالعذاب الذي أخره الله عنهم إلى أجل معلوم:
«وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ. وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» ..
وذلك دأب الظالمين في كل حين. يرون مصارع الظالمين، ويقرأون أخبارهم ويعلمون مصائرهم. ثم إذا هم يسلكون طريقهم غير ناظرين إلى نهاية الطريق! فإذا ذكروا بما نال أسلافهم استبعدوا أن يصيبهم ما أصابهم.. ثم يطغى بهم الغرور والاستهتار إذا أملى لهم الله على سبيل الاختبار. فإذا هم يسخرون ممن يخوفهم ذلك المصير. وإذا هم- من السخرية- يستعجلون ما يوعدون! «وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ» فهو آت في موعده الذي أراده الله وقدره وفق حكمته. واستعجال الناس به لا يعجله كي لا تبطل الحكمة المقصودة من تأجيله.
وتقدير الزمن في حساب الله غيره في حساب البشر: «وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» ..
ولقد أملى الله للكثير من تلك القرى الهالكة فلم يكن هذا الإملاء منجيا لها من المصير المحتوم والسنة المطردة في هلاك الظالمين:
«وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ، ثُمَّ أَخَذْتُها، وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2430
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست