نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2429
انتهى الدرس السابق عند الإذن بالقتال لحماية العقائد والشعائر ووعد الله بالنصر لمن ينهضون بتكاليف العقيدة، ويحققون النهج الإلهي في حياة الجماعة.
وإذ انتهى من بيان تكاليف الأمة المؤمنة أنشأ يطمئن الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى تدخل يد القدرة الإلهية لنصره ولخذلان أعدائه، كما تدخلت من قبل لنصرة إخوانه الرسل- عليهم السلام- وأخذ المكذبين على مدار الأجيال. وأخذ يوجه المشركين إلى تأمل مصارع الغابرين إن كانت لهم قلوب للتأمل والتدبر، فإنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.
ثم يطمئن الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى أن الله يحمي رسله من كيد الشيطان كما يحميهم من كيد المكذبين. ويبطل ما يحاوله الشيطان ويحكم آياته ويجلوها للقلوب السليمة. فأما القلوب المريضة والقلوب الكافرة فتظل الريبة فيها حتى تنتهي بها إلى شر مصير..
فالدرس كله بيان لآثار يد القدرة وهي تتدخل في سير الدعوة، بعد أن يؤدي أصحابها واجبهم، وينهضوا بتكاليفهم التي سبق بها الدرس الماضي في السياق.
«وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ، وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ، وَقَوْمُ لُوطٍ، وَأَصْحابُ مَدْيَنَ، وَكُذِّبَ مُوسى، فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ؟» ..
فهي سنة مطردة في الرسالات كلها، قبل الرسالة الأخيرة، أن يجيء الرسل بالآيات فيكذب بها المكذبون.
فليس الرسول- صلى الله عليه وسلم- بدعا من الرسل حين يكذبه المشركون. والعاقبة معروفة، والسنة مطردة «فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ» .. ويفرد موسى بفقرة خاصة: «وَكُذِّبَ مُوسى» أولا. لأنه لم يكذب من قومه كما كذب هؤلاء من قومهم، إنما كذب من فرعون وملئه. وثانيا لوضوح الآيات التي جاء بها موسى وتعددها وضخامة الأحداث التي صاحبتها.. وفي جميع تلك الحالات أملى الله للكافرين حينا من الزمان- كما يملي لقريش- ثم أخذهم أخذا شديدا.. وهنا سؤال للتهويل والتعجيب:
«فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ؟» .. والنكير هو الإنكار العنيف المصحوب بالتغيير. والجواب معروف. فهو نكير مخيف! نكير الطوفان والخسف والتدمير والهلاك والزلازل والعواصف والترويع..
وبعد الاستعراض السريع لمصارع أولئك الأقوام يعمم في عرض مصارع الغابرين:
«فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ، فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ، وَقَصْرٍ مَشِيدٍ» .
فهي كثيرة تلك القرى المهلكة بظلهما. والتعبير يعرض مصارعها في مشهد شاخص مؤثر: «فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» .. والعروش السقوف، وتكون قائمة على الجدران عند قيام البناء. فإذا تهدم خرت العروش
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2429