نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2422
الأهواء تخطف الجوارح، وتتقاذفه الأوهام تقاذف الرياح. وهو لا يمسك بالعروة الوثقى، ولا يستقر على القاعدة الثابتة، التي تربطه بهذا الوجود الذي يعيش فيه.
ثم يعود السياق من تعظيم حرمات الله باتقائها والتحرج من المساس بها.. إلى تعظيم شعائر الله- وهي ذبائح الحج- باستسمانها وغلاء أثمانها:
«ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» .
ويربط بين الهدي الذي ينحره الحاج وتقوى القلوب إذ أن التقوى هي الغاية من مناسك الحج وشعائره.
وهذه المناسك والشعائر إن هي إلا رموز تعبيرية عن التوجه إلى رب البيت وطاعته. وقد تحمل في طياتها ذكريات قديمة من عهد إبراهيم- عليه السلام- وما تلاه. وهي ذكريات الطاعة والإنابة، والتوجه إلى الله منذ نشأة هذه الأمة المسلمة. فهي والدعاء والصلاة سواء.
وهذه الأنعام التي تتخذ هديا ينحر في نهاية أيام الإحرام يجوز لصاحبها الانتفاع بها. إن كان في حاجة إليها يركبها، أو في حاجة إلى ألبانها يشربها، حتى تبلغ محلها- أي مكان حلها- وهو البيت العتيق. ثم تنحر هناك ليأكل منها. ويطعم البائس الفقير.
«وقد كان المسلمون على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- يغالون في الهدي، يختارونه سمينا غالي الثمن، يعلنون بها عن تعظيمهم لشعائر الله، مدفوعين بتقوى الله. روى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال:
أهدي عمر نجيبا فأعطى بها ثلاث مائة دينار، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أهديت نجيبا، فأعطيت بها ثلاث مائة دينار. أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا [1] ؟ قال: «لا. أنحرها إياها» .
والناقة النجيب التي جاءت هدية لعمر- رضي الله عنه- وقوّمت بثلاث مائة دينار لم يكن عمر- رضي الله عنه- يريد أن يضنّ بقيمتها، بل كان يريد أن يبيعها فيشتري بها نوقا أو بقرا للذبح. فشاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يضحي بالنجيب ذاتها لنفاستها وعظم قيمتها، ولا يستبدل بها نوقا كثيرة، قد تعطي لحما أكثر، ولكنها من ناحية القيمة الشعورية أقل. والقيمة الشعورية مقصودة «فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» .
وهذا هو المعنى الذي لحظه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول لعمر- رضي الله عنه- «أنحرها إياها» هي بذاتها لا سواها! هذه الذبائح يذكر القرآن الكريم أنها شعيرة معروفة في شتى الأمم إنما يوجهها الإسلام وجهتها الصحيحة حين يتوجه بها إلى الله وحده دون سواه:
«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ. فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ، الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ، وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ، وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» .. [1] جمع بدنة وهي الناقة أو البقرة وتجزىء في الحج عن ثمانية من الناس.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2422