responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2421
الآلهة المدعاة- على ما رزقهم من بهيمة الأنعام. ويأكلوا منها ويطعموا البائس الفقير على اسم الله دون سواه..
فهو بيت حرام حرمات الله فيه مصونة- وأولها عقيدة التوحيد، وفتح أبوابه للطائفين والقائمين والركع السجود- إلى جانب حرمة الدماء، وحرمة العهود والمواثيق. وحرمة الهدنة والسلام.
«ذلِكَ. وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ. وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ- إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ- فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ» ..
وتعظيم حرمات الله يتبعه التحرج من المساس بها. وذلك خير عند الله. خير في عالم الضمير والمشاعر، وخير في عالم الحياة والواقع. فالضمير الذي يتحرج هو الضمير الذي يتطهر والحياة التي ترعى فيها حرمات الله هي الحياة التي يأمن فيها البشر من البغي والاعتداء، ويجدون فيها متابة أمن، وواحة سلام، ومنطقة اطمئنان..
ولما كان المشركون يحرمون بعض الأنعام- كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي- فيجعلون لها حرمة، وهي ليست من حرمات الله بينما هم يعتدون على حرمات الله- فإن النص يتحدث عن حل الأنعام إلا ما حرم الله منها- كالميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به: «وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ» . وذلك كي لا تكون هنالك حرمات إلا لله وألا يشرع أحد إلا بإذن الله ولا يحكم إلا بشريعة الله.
وبمناسبة حل الأنعام يأمر باجتناب الرجس من الأوثان. وقد كان المشركون يذبحون عليها وهي رجس- والرجس دنس النفس- والشرك بالله دنس يصيب الضمير ويلوث القلوب، ويشوب نقاءها وطهارتها كما تشوب النجاسة الثوب والمكان.
ولأن الشرك افتراء على الله وزور، فإنه يحذر من قول الزور كافة: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» ..
ويغلظ النص من جريمة قول الزور إذ يقرنها إلى الشرك.. وهكذا روى الإمام أحمد- بإسناده- عن فاتك الأسدي قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصبح. فلما انصرف قام قائما فقال: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز وجل» ثم تلا هذه الآية ...
إنما يريد الله من الناس أن يميلوا عن الشرك كله، وأن يجتنبوا الزور كله، وأن يستقيموا على التوحيد الصادق الخالص: «حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ» .. ثم يرسم النص مشهدا عنيفا يصور حال من تزل قدماه عن أفق التوحيد، فيهوي إلى درك الشرك. فإذا هو ضائع ذاهب بددا كأن لم يكن من قبل أبدا:
«وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ» ..
إنه مشهد الهويّ من شاهق «فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ» . وفي مثل لمح البصر يتمزق «فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ» أو تقذف به الريح بعيدا عن الأنظار: «أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ» في هوة ليس لها قرار! والملحوظ هو سرعة الحركة مع عنفها وتعاقب خطواتها في اللفظ «بالفاء» وفي المنظر بسرعة الاختفاء..
على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير.
وهي صورة صادقة لحال من يشرك بالله، فيهوي من أفق الإيمان السامق إلى حيث الفناء والانطواء.
إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها. قاعدة التوحيد. ويفقد المستقر الآمن الذي يثوب إليه فتتخطفه

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2421
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست