نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2413
من طمأنينة وراحة ورضى، فهي لا تطلب جزاءها خارجا عن ذاتها.
والمؤمن يعبد ربه شكرا له على هدايته إليه، وعلى اطمئنانه للقرب منه والأنس به. فإن كان هنالك جزاء فهو فضل من الله ومنة. استحقاقا على الإيمان أو العبادة! والمؤمن لا يجرب إلهه. فهو قابل ابتداء لكل ما يقدره له، مستسلم ابتداء لكل ما يجربه عليه راض ابتداء بكل ما يناله من السراء والضراء. وليست هي صفقة في السوق بين بائع وشار، إنما هي إسلام المخلوق للخالق، صاحب الأمر فيه، ومصدر وجوده من الأساس.
والذي ينقلب على وجهه عند مس الفتنة يخسر الخسارة التي لا شبهة فيها ولا ريب: «ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ» .. يخسر الطمأنينة والثقة والهدوء والرضى. إلى جوار خسارة المال أو الولد، أو الصحة، أو أعراض الحياة الأخرى التي يفتن الله بها عباده، ويبتلي بها ثقتهم فيه، وصبرهم على بلائه، وإخلاصهم أنفسهم له، واستعدادهم لقبول قضائه وقدره.. ويخسر الآخرة وما فيها من نعيم وقربى ورضوان. فيا له من خسران! وإلى أين يتجه هذا الذي يعبد الله على حرف؟ إلى أين يتجه بعيدا عن الله؟ إنه «يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ» .. يدعو صنما أو وثنا على طريقة الجاهلية الأولى. ويدعو شخصا أو جهة أو مصلحة على طريقة الجاهليات المتناثرة في كل زمان ومكان، كلما انحرف الناس عن الاتجاه إلى الله وحده، والسير على صراطه ونهجه.. فما هذا كله؟ إنه الضلال عن المتجه الوحيد الذي يجدي فيه الدعاء: «ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» المغرق في البعد عن الهدى والاهتداء.. «يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ» من وثن أو شيطان، أو سند من بني الإنسان.. وهذا كله لا يملك ضرا ولا نفعا وهو أقرب لأن ينشأ عنه الضر. وضره أقرب من نفعه. ضره في عالم الضمير بتوزيع القلب، وإثقاله بالوهم وإثقاله بالذل. وضره في عالم الواقع وكفى بما يعقبه في الآخرة من ضلال وخسران «لَبِئْسَ الْمَوْلى» ذلك الضعيف لا سلطان له في ضر أو نفع «وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ» ذلك الذي ينشأ عنه الخسران. يستوي في ذلك المولى والعشير من الأصنام والأوثان، والمولى والعشير من بني الإنسان، ممن يتخذهم بعض الناس آلهة أو أشباه آلهة في كل زمان ومكان! والله يدخر للمؤمنين به ما هو خير من عرض الحياة الدنيا كله، حتى لو خسروا ذلك العرض كله في الفتنة والابتلاء:
«إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ» ..
فمن مسه الضر في فتنة من الفتن، وفي ابتلاء من الابتلاءات، فليثبت ولا يتزعزع، وليستبق ثقته برحمة الله وعونه، وقدرته على كشف الضراء، وعلى العوض والجزاء.
فأما من يفقد ثقته في نصر الله في الدنيا والآخرة ويقنط من عون الله له في المحنة حين تشتد المحنة.
فدونه فليفعل بنفسه ما يشاء وليذهب بنفسه كل مذهب، فما شيء من ذلك بمبدل ما به من البلاء:
«مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ، ثُمَّ لْيَقْطَعْ، فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ» ! وهو مشهد متحرك لغيظ النفس، وللحركات المصاحبة لذلك الغيظ، يجسم هذه الحالة التي يبلغ فيها الضيق بالنفس أقصاه، عند ما ينزل بها الضر وهي على غير اتصال بالله.
والذي ييأس في الضر من عون الله يفقد كل نافذة مضيئة، وكل نسمة رخية، وكل رجاء في الفرج،
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2413