responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2412
هذا الكبر الضال المضل لا بد أن يقمع، ولا بد أن يحطم: «لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ» فالخزي هو المقابل للكبر.
والله لا يدع المتكبرين المتعجرفين الضالين المضلين حتى يحطم تلك الكبرياء الزائفة وينكسها ولو بعد حين. إنما يمهلهم أحيانا ليكون الخزي أعظم، والتحقير أوقع. أما عذاب الآخرة فهو أشد وأوجع: «وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ» .
وفي لحظة ينقلب ذلك الوعيد المنظور إلى واقع مشهود، بلفتة صغيرة في السياق، من الحكاية إلى الخطاب:
«ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» ..
وكأنما هو اللحظة يلقى التقريع والتبكيت، مع العذاب والحريق.
ويمضي السياق إلى نموذج آخر من الناس- إن كان يواجه الدعوة يومذاك فهو نموذج مكرور في كل جيل- ذلك الذي يزن العقيدة بميزان الربح والخسارة ويظنها صفقة في سوق التجارة:
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ. ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ. يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ. ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ. يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ. لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ» ..
إن العقيدة هي الركيزة الثابتة في حياة المؤمن، تضطرب الدنيا من حوله فيثبت هو على هذه الركيزة وتتجاذبه الأحداث والدوافع فيتشبث هو بالصخرة التي لا تتزعزع وتتهاوى من حوله الأسناد فيستند هو إلى القاعدة التي لا تحول ولا تزول.
هذه قيمة العقيدة في حياة المؤمن. ومن ثم يجب أن يستوي عليها، متمكنا منها، واثقا بها، لا يتلجلج فيها، ولا ينتظر عليها جزاء، فهي في ذاتها جزاء. ذلك أنها الحمى الذي يلجأ إليه، والسند الذي يستند عليه. أجل هي في ذاتها جزاء على تفتح القلب للنور، وطلبه للهدى. ومن ثم يهبه الله العقيدة ليأوي إليها، ويطمئن بها.
هي في ذاتها جزاء يدرك المؤمن قيمته حين يرى الحيارى الشاردين من حوله، تتجاذبهم الرياح، وتتقاذفهم الزوابع، ويستبد بهم القلق. بينما هو بعقيدته مطمئن القلب، ثابت القدم، هادئ البال، موصول بالله، مطمئن بهذا الاتصال أما ذلك الصنف من الناس الذي يتحدث عنه السياق فيجعل العقيدة صفقة في سوق التجارة: «فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ» وقال: إن الإيمان خير. فها هو ذا يجلب النفع، ويدر الضرع، وينمي الزرع، ويربح التجارة، ويكفل الرواج «وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ» .. خسر الدنيا بالبلاء الذي أصابه فلم يصبر عليه، ولم يتماسك له، ولم يرجع إلى الله فيه. وخسر الآخرة بانقلابه على وجهه، وانكفائه عن عقيدته، وانتكاسه عن الهدى الذي كان ميسرا له.
والتعبير القرآني يصوره في عبادته لله «عَلى حَرْفٍ» غير متمكن من العقيدة، ولا متثبت في العبادة.
يصوره في حركة جسدية متأرجحة قابلة للسقوط عند الدفعة الأولى. ومن ثم ينقلب على وجهه عند مس الفتنة، ووقفته المتأرجحة تمهد من قبل لهذا الانقلاب! إن حساب الربح والخسارة يصلح للتجارة، ولكنه لا يصلح للعقيدة. فالعقيدة حق يعتنق لذاته، بانفعال القلب المتلقي للنور والهدى الذي لا يملك إلا أن ينفعل بما يتلقى. والعقيدة تحمل جزاءها في ذاتها، بما فيها

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2412
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست