responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2410
وفي هذه البويضة الملقحة بالحيوان المنوي.. في هذه النقطة الصغيرة العالقة بجدار الرحم- بقدرة القادر وبالقوة المودعة بها من لدنه- في هذه النقطة تكمن جميع خصائص الإنسان المقبل: صفاته الجسدية وسماته من طول وقصر، وضخامة وضآلة، وقبح ووسامة، وآفة وصحة.. كما تكمن صفاته العصبية والعقلية والنفسية: من ميول ونزعات، وطباع واتجاهات، وانحرافات واستعدادات..
فمن يتصور أو يصدق أن ذلك كله كامن في تلك النقطة العالقة؟ وأن هذه النقطة الصغيرة الضئيلة هي هذا الإنسان المعقد المركب، الذي يختلف كل فرد من جنسه عن الآخر، فلا يتماثل اثنان في هذه الأرض في جميع الأزمان؟! ومن العلقة إلى المضغة، وهي قطعة من دم غليظ لا تحمل سمة ولا شكلا. ثم تخلق فتتخذ شكلها بتحولها إلى هيكل عظمي يكسى باللحم أو يلفظها الرحم قبل ذلك إن لم يكن مقدرا لها التمام.
«لِنُبَيِّنَ لَكُمْ» .. فهنا محطة بين المضغة والطفل، يقف السياق عندها بهذه الجملة المعترضة: «لِنُبَيِّنَ لَكُمْ» .
لنبين لكم دلائل القدرة بمناسبة تبين الملامح في المضغة. وذلك على طريقة التناسق الفني في القرآن.
ثم يمضي السياق مع أطوار الجنين: «وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» فما شاء الله أن يتم تمامه أقره في الأرحام حتى يحين أجل الوضع. «ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» .. ويا للمسافة الهائلة بين الطور الأول والطور الأخير! إنها في الزمان- تعادل في العادة- تسعة أشهر. ولكنها أبعد من ذلك جدّا في اختلاف طبيعة النطفة وطبيعة الطفل. النطفة التي لا ترى بالعين المجردة وهذا المخلوق البشري المعقد المركب، ذو الأعضاء والجوارح، والسمات والملامح، والصفات والاستعدادات، والميول والنزعات..
إلا إنها المسافة التي لا يعبرها الفكر الواعي إلا وقد وقف خاشعا أمام آثار القدرة القادرة مرات ومرات..
ثم يمضي السياق مع أطوار ذلك الطفل بعد أن يرى النور، ويفارق المكمن الذي تمت فيه تلك الخوارق الضخام، في خفية عن الأنظار! «ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ» .. فتستوفوا نموكم العضلي، ونموكم العقلي، ونموكم النفسي.. وكم بين الطفل الوليد والإنسان الشديد من مسافات في المميزات أبعد من مسافات الزمان! ولكنها تتم بيد القدرة المبدعة التي أودعت الطفل الوليد كل خصائص الإنسان الرشيد، وكل الاستعدادات الكامنة التي تتبدى فيه وتتكشف في أوانها، كما أودعت النقطة العالقة بالرحم كل خصائص الطفل، وهي ماء مهين! «وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً» ..
فاما من يتوفى فهو صائر إلى نهاية كل حي. وأما من يرد إلى أرذل العمر فهو صفحة مفتوحة للتدبر ما تزال.
فبعد العلم، وبعد الرشد، وبعد الوعي، وبعد الاكتمال.. إذا هو يرتد طفلا. طفلا في عواطفه وانفعالاته.
طفلا في وعيه ومعلوماته. طفلا في تقديره وتدبيره. طفلا أقل شيء يرضيه وأقل شيء يبكيه. طفلا في حافظته فلا تمسك شيئا، وفي ذاكرته فلا تستحضر شيئا. طفلا في أخذه الأحداث والتجارب فرادى لا يربط بينها رابط ولا تؤدي في حسه ووعيه إلى نتيجة، لأنه ينسى أولها قبل أن يأتي على آخرها: «لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً» ولكي يفلت من عقله ووعيه ذلك العلم الذي ربما تخايل به وتطاول، وجادل في الله وصفاته بالباطل! ثم تستطرد الآية إلى عرض مشاهد الخلق والإحياء في الأرض والنبات، بعد عرض مشاهد الخلق والإحياء في الإنسان.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2410
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست