نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2409
كيف تنشأ الحياة، ولينظروا في أنفسهم، وفي الأرض من حولهم، حيث تنطق لهم الدلائل بأن الأمر مألوف ميسور ولكنهم هم الذين يمرون على الدلائل في أنفسهم وفي الأرض غافلين:
«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ- لِنُبَيِّنَ لَكُمْ- وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً. وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» ..
إن البعث إعادة لحياة كانت، فهو في تقدير البشر- أيسر من إنشاء الحياة. وإن لم يكن- بالقياس إلى قدرة الله- شيء أيسر ولا شيء أصعب. فالبدء كالإعادة أثر لتوجه الإرادة: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ» .
ولكن القرآن يأخذ البشر بمقاييسهم، ومنطقهم، وإدراكهم، فيوجه قلوبهم إلى تدبر المشهود المعهود لهم، وهو يقع لهم كل لحظة، ويمر بهم في كل برهة وهو من الخوارق لو تدبروه بالعين البصيرة، والقلب المفتوح، والحس المدرك. ولكنهم يمرون به أو يمر بهم دون وعي ولا انتباه.
فما هؤلاء الناس؟ ما هم؟ من أين جاءوا؟ وكيف كانوا؟ وفي أي الأطوار مروا؟
«فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ» .. والإنسان ابن هذه الأرض. من ترابها نشأ، ومن ترابها تكوّن، ومن ترابها عاش. وما في جسمه من عنصر إلا له نظيره في عناصر أمه الأرض. اللهم إلا ذلك السر اللطيف الذي أودعه الله إياه ونفخه فيه من روحه وبه افترق عن عناصر ذلك التراب. ولكنه أصلا من التراب عنصرا وهيكلا وغذاء. وكل عناصره المحسوسة من ذلك التراب.
ولكن أين التراب وأين الإنسان؟ أين تلك الذرات الأولية الساذجة من ذلك الخلق السوي المركب، الفاعل المستجيب، المؤثر المتأثر، الذي يضع قدميه على الأرض ويرف بقلبه إلى السماء ويخلق بفكره فيما وراء المادة كلها ومنها ذلك التراب..
إنها نقلة ضخمة بعيدة الأغوار والآماد، تشهد بالقدرة التي لا يعجزها البعث، وهي أنشأت ذلك الخلق من تراب! «ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ. ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ. ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ- لِنُبَيِّنَ لَكُمْ- وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ... » .
والمسافة بين عناصر التراب الأولية الساذجة والنطفة المؤلفة من الخلايا المنوية الحية، مسافة هائلة، تضمر في طياتها السر الأعظم. سر الحياة. السر الذي لم يعرف البشر عنه شيئا يذكر، بعد ملايين الملايين من السنين، وبعد ما لا يحصى من تحول العناصر الساذجة إلى خلايا حية في كل لحظة من لحظات تلك الملايين. والذي لا سبيل إلى أكثر من ملاحظته وتسجيله، دون التطلع إلى خلقه وإنشائه، مهما طمح الإنسان، وتعلق بأهداب المحال! ثم يبقى بعد ذلك سر تحول تلك النطفة إلى علقة، وتحول العلقة إلى مضغة، وتحول المضغة إلى إنسان! فما تلك النطفة؟ إنها ماء الرجل. والنقطة الواحدة من هذا الماء تحمل ألوف الحيوانات المنوية. وحيوان واحد منها هو الذي يلقح البويضة من ماء المرأة في الرحم، ويتحد بها فتعلق في جدار الرحم.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2409