نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2386
والثبوت إلى حد أن يشهد المؤمنون عليه واثقين.. إن كل ما في الكون لينطق بوحدة الخالق المدبر. وإن كل ما في كيان الإنسان ليهتف به إلى الإقرار بوحدانية الخالق المدبر، وبوحدة الناموس الذي يدبر الكون ويصرفه.
ثم يعلن إبراهيم لمن كان يواجههم من قومه بهذا الحوار. أنه قد اعتزم في شأن آلهتهم أمرا لا رجعة فيه:
«وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ» ..
ويترك ما اعتزمه من الكيد للأصنام مبهما لا يفصح عنه.. ولا يذكر السياق كيف ردوا عليه. ولعلهم كانوا مطمئنين إلى أنه لن يستطيع لآلهتهم كيدا. فتركوه! «فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ» ..
وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة.. إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم «لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ» فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها، فيرجعون إلى صوابهم، ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت.
وعاد القوم ليروا آلهتهم جذاذا إلا ذلك الكبير! ولكنهم لم يرجعوا إليه يسألونه ولا إلى أنفسهم يسألونها:
إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا. وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها؟
لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال. لأن الخرافة قد عطلت عقولهم عن التفكير، ولأن التقليد قد غل أفكارهم عن التأمل والتدبر. فإذا هم يدعون هذا السؤال الطبيعي لينقموا على من حطم آلهتهم، وصنع بها هذا الصنيع:
«قالُوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ..
عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة هذه التماثيل، ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها! «قالُوا: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ» ..
ويبدو من هذا أن إبراهيم- عليه السلام- كان شابا صغير السن، حينما آتاه الله رشده، فاستنكر عبادة الأصنام وحطمها هذا التحطيم. ولكن أكان قد أوحي إليه بالرسالة في ذلك الحين؟ أم هو إلهام هداه إلى الحق قبل الرسالة. فدعا إليه أباه، واستنكر على قومه ما هم فيه؟
هذا هو الأرجح..
وهناك احتمال أن يكون قولهم: «سَمِعْنا فَتًى» يقصد به إلى تصغير شأنه بدليل تجهيلهم لأمره في قولهم:
«يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ!» للتقليل من أهميته، وإفادة أنه مجهول لا خطر له؟ قد يكون. ولكننا نرجح أنه كان فتى حديث السن في ذلك الحين.
«قالُوا: فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ» ..
وقد قصدوا إلى التشهير به، وإعلان فعلته على رؤوس الأشهاد! «قالُوا: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ؟» ..
فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة وهي جذاذ مهشمة. فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهم، وهو فرد وحده وهم كثير. ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر، وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوي العقلي الدون:
«قالَ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا. فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2386