نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2379
بعد ذلك الشوط البعيد المديد في أرجاء الكون، وفي نواميس الوجود، وفي سنن الدعوات، وفي مصائر البشر، وفي مصارع الغابرين.. يرتد السياق إلى مثل ما بدأ به في مطلع السورة عن استقبال المشركين للرسول- صلى الله عليه وسلم- وما معه من الوحي واستهزائهم به وإصرارهم على الشرك..
ثم يتحدث عن طبيعة الإنسان العجول، واستعجالهم بالعذاب. فيحذرهم ما يستعجلون به. وينذرهم عاقبة الاستهزاء بالرسول- صلى الله عليه وسلم- ويعرض لهم مشهدا من تقلص ظلال الغالبين المسيطرين في الدنيا.
ومشهدا من عذاب المكذبين في الآخرة.
ويختم الشوط بدقة الحساب والجزاء في يوم القيامة. فيربط الحساب والجزاء بنواميس الكون وفطرة الإنسان وسنة الله في حياة البشر وفي الدعوات..
«وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً. أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ» .
إن هؤلاء الكفار يكفرون بالرحمن، خالق الكون ومدبره، ليستنكرون على الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يذكر آلهتهم الأصنام بالسوء، بينما هم يكفرون بالرحمن دون أن يتحرجوا أو يتلوموا.. وهو أمر عجيب جد عجيب! وإنهم ليلقون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالهزء، يستكثرون عليه أن ينال من أصنامهم تلك:
«أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ؟» ولا يستكثرون على أنفسهم- وهم عبيد من عبيد الله- أن يكفروا به، ويعرضوا عما أنزل لهم من قرآن.. وهي مفارقة عجيبة تكشف عن مدى الفساد الذي أصاب فطرتهم وتقديرهم للأمور! ثم هم يستعجلون بما ينذرهم به الرسول- صلى الله عليه وسلم- من عذاب ويحذرهم من عاقبته. والإنسان بطبعه عجول:
«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ. سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ. وَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ!» ..
«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» .. فالعجلة في طبعه وتكوينه. وهو يمد ببصره دائما إلى ما وراء اللحظة الحاضرة يريد ليتناوله بيده، ويريد ليحقق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله، ويريد أن يستحضر كل ما يوعد به ولو كان في ذلك ضرره وإيذاؤه. ذلك إلا أن يتصل بالله فيثبت ويطمئن، ويكل الأمر لله فلا يتعجل قضاءه. والإيمان ثقة وصبر واطمئنان.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2379