responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2357
الليل والنهار.. كن موصولا بالله على مدار اليوم.. «لَعَلَّكَ تَرْضى» ..
إن التسبيح بالله اتصال. والنفس التي تتصل تطمئن وترضى. ترضى وهي في ذلك الجوار الرضي وتطمئن وهي في ذلك الحمى الآمن.
فالرضى ثمرة التسبيح والعبادة، وهو وحده جزاء حاضر ينبت من داخل النفس ويترعوع في حنايا القلب.
اتجه إلى ربك بالعبادة «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ» من عرض الحياة الدنيا، من زينة ومتاع ومال وأولاد وجاه وسلطان. «زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» التي تطلعها كما يطلع النبات زهرته لامعة جذابة.
والزهرة سريعة الذبول على ما بها من رواء وزواق. فإنما نمتعهم بها ابتلاء «لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ» فنكشف عن معادنهم، بسلوكهم مع هذه النعمة وذلك المتاع. وهو متاع زائل كالزهرة سرعان ما تذبل «وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى» وهو رزق للنعمة لا للفتنة. رزق طيب خير باق لا يذبل ولا يخدع ولا يفتن.
وما هي دعوة للزهد في طيبات الحياة، ولكنها دعوة إلى الاعتزاز بالقيم الأصيلة الباقية وبالصلة بالله والرضى به. فلا تتهاوى النفوس أمام زينة الثراء، ولا تفقد اعتزازها بالقيم العليا، وتبقى دائما تحس حرية الاستعلاء على الزخارف الباطلة التي تبهر الأنظار..
«وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ» .. فأول واجبات الرجل المسلم أن يحول بيته إلى بيت مسلم وأن يوجه أهله إلى أداء الفريضة التي تصلهم معه بالله، فتوحد اتجاههم العلوي في الحياة. وما أروح الحياة في ظلال بيت أهله كلهم يتجهون إلى الله.
«وَاصْطَبِرْ عَلَيْها» .. على إقامتها كاملة وعلى تحقيق آثارها. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وهذه هي آثارها الصحيحة. وهي في حاجة إلى اصطبار على البلوغ بالصلاة إلى الحد الذي تثمر فيه ثمارها هذه في المشاعر والسلوك. وإلا فما هي صلاة مقامة. إنما هي حركات وكلمات.
هذه الصلاة والعبادة والاتجاه إلى الله هي تكاليفك والله لا ينال منها شيئا. فالله غني عنك وعن عبادة العباد:
«لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ» إنما هي العبادة تستجيش وجدان التقوى «وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى» . فالإنسان هو الرابح بالعبادة في دنياه وأخراه. يعبد فيرضى ويطمئن ويستريح. ويعبد فيجزى بعد ذلك الجزاء الأوفى.
والله غني عن العالمين.
وقرب ختام السورة يعود بالحديث إلى أولئك الكبراء الممتعين المكذبين، الذين يطلبون إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- بعد ما جاءهم بهذا القرآن أن يأتيهم بآية من ربه: هذا القرآن الذي يبين ويوضح ما جاءت به الرسالات قبله:
«وَقالُوا: لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ. أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى؟» .
فليس إلا التعنت وإلا المكابرة والرغبة في الاقتراح هي التي تملي مثل هذا الاقتراح وإلا فآية القرآن كافية. وهو يصل حاضر الرسالة بماضيها، ويوحد طبيعتها واتجاهها، ويبين ويفصل ما أجمل في الصحف الأولى.
ولقد أعذر الله للمكذبين فأرسل إليهم خاتم المرسلين- صلى الله عليه وسلم- «وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا، فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2357
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست