نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2336
لتؤديها. فما لك في نفسك شيء. وما لأهلك منك شيء، وما لأحد فيك شيء. فامض لما اصطنعتك له:
«اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي. اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى. فَقُولا لَهُ: قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» ..
اذهب أنت وأخوك مزودين بآياتي وقد شهد منها آية العصا وآية اليد- ولا تنيا في ذكري فهو عدتكما وسلاحكما وسندكما الذي تأويان منه إلى ركن شديد.. اذهبا إلى فرعون. وقد حفظتك من شره من قبل.
وأنت طفل وقد قذفت في التابوت، فقذف التابوت في اليم، فألقاه اليم بالساحل، فلم تضرك هذه الخشونة، ولم تؤذك هذه المخاوف. فالآن أنت معد مهيأ، ومعك أخوك. فلا عليك وقد نجوت مما هو أشد، في ظروف أسوأ وأعنف.
اذهبا إلى فرعون فقد طغى وتجبر وعتا «فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً» فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة. ومن شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان.
اذهبا إليه غير يائسين من هدايته، راجيين أن يتذكر ويخشى. فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها بحرارة، ولا يثبت عليها في وجه الجحود والإنكار.
وإن الله ليعلم ما يكون من فرعون. ولكن الأخذ بالأسباب في الدعوات وغيرها لا بد منه. والله يحاسب الناس على ما يقع منهم بعد أن يقع في عالمهم. وهو عالم بأنه سيكون. فعلمه تعالى بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر منها والماضي في درجة سواء.
وإلى هنا كان الخطاب لموسى- عليه السلام- وكان المشهد هو مشهد المناجاة في الفلاة. وهنا يطوي السياق المسافات والأبعاد والأزمان، فإذا هارون مع موسى. وإذا هما معا يكشفان لربهما عن خوفهما من مواجهة فرعون، ومن التسرع في أذاه، ومن طغيانه إذا دعواه:
«قالا: رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى. قالَ: لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى. فَأْتِياهُ فَقُولا: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ. قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ. وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى. إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى» .
وهارون لم يكن مع موسى قطعا في موقف المناجاة الطويل- الذي تفضل المنعم فيه على عبده، فأطال له فيه النجاء، وبسط له في القول، وأوسع له في السؤال والجواب- فردهما معا بقولهما: «إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى» لم يكن في موقف المناجاة. إنما هو السياق القرآني يطوي الزمان والمكان، ويترك فجوات بين مشاهد القصص، تعلم من السياق ليصل مباشرة إلى المواقف الحية الموحية ذات الأثر في سير القصص وفي وجدان الناس.
ولقد اجتمع موسى وهارون عليهما السلام إذن بعد انصراف موسى من موقف المناجاة بجانب الطور.
وأوحى الله إلى هارون بمشاركة أخيه في دعوة فرعون ثم هاهما ذان يتوجهان إلى ربهما بمخاوفهما: «قالا: رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى» ..
والفرط هو التسرع بالأذى للوهلة الأولى، والطغيان أشمل من التسرع وأشمل من الأذى. وفرعون الجبار يومئذ لا يتحرج من أحدهما أو كليهما.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2336