responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2331
النداء ولا اتجاهه. ولا تعيين صورته ولا كيفيته. ولا كيف سمعه موسى أو تلقاه.. نودي بطريقة ما فتلقى بطريقة ما. فذلك من أمر الله الذي نؤمن بوقوعه، ولا نسأل عن كيفيته، لأن كيفيته وراء مدارك البشر وتصورات الإنسان «يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً [1] » .. إنك في الحضرة العلوية. فتجرد بقدميك. وفي الوادي الذي تتجلى عليه الطلعة المقدسة، فلا تطأه بنعليك.
«وَأَنَا اخْتَرْتُكَ» .. فيا للتكريم! يا للتكريم أن يكون الله بذاته هو الذي يختار. يختار عبدا من العبيد هو فرد من جموع الجموع.. تعيش على كوكب من الكواكب هو ذرة في مجموعة. المجموعة هي ذرة في الكون الكبير الذي قال له الله: كن.. فكان! ولكنها رعاية الرحمن لهذا الإنسان! وبعد إعلانه بالتكريم والاختيار، والاستعداد والتهيؤ بخلع نعليه، يجيء التنبيه للتلقي:
«فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى» ..
ويلخص ما يوحى في ثلاثة أمور مترابطة: الاعتقاد بالوحدانية، والتوجه بالعبادة، والإيمان بالساعة وهي أسس رسالة الله الواحدة:
«إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى. فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى» ..
فأما الألوهية الواحدة فهي قوام العقيدة. والله في ندائه لموسى- عليه السلام- يؤكدها بكل المؤكدات:
بالإثبات المؤكد. «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ» وبالقصر المستفاد من النفي والاستثناء: «لا إِلهَ إِلَّا أَنَا» الأولى لإثبات الألوهية لله، والثانية لنفيها عن سواه.. وعلى الألوهية تترتب العبادة والعبادة تشمل التوجه لله في كل نشاط الحياة ولكنه يخص بالذكر منها الصلاة: «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» لأن الصلاة أكمل صورة من صور العبادة، وأكمل وسيلة من وسائل الذكر، لأنها تتمحض لهذه الغاية، وتتجرد من كل الملابسات الأخرى وتتهيأ فيها النفس لهذا الغرض وحده، وتتجمع للاتصال بالله.
فأما الساعة فهي الموعد المرتقب للجزاء الكامل العادل، الذي تتوجه إليه النفوس فتحسب حسابه وتسير في الطريق وهي تراقب وتحاسب وتخشى الانزلاق.. والله سبحانه يؤكد مجيئها: «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ» وأنه يكاد يخفيها. فعلم الناس بها قليل لا يتجاوز ما يطلعهم عليه من أمرها بقدر ما يحقق حكمته من معرفتهم ومن جهلهم.. والمجهول عنصر أساسي في حياة البشر وفي تكوينهم النفسي. فلا بد من مجهول في حياتهم يتطلعون إليه. ولو كان كل شيء مكشوفا لهم- وهم بهذه الفطرة- لوقف نشاطهم وأسنت حياتهم. فوراء المجهول يجرون. فيحذرون ويأملون، ويجربون ويتعلمون. ويكشفون المخبوء من طاقاتهم وطاقات الكون من حولهم ويرون آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق ويبدعون في الأرض بما شاء لهم الله أن يبدعوا.. وتعليق قلوبهم ومشاعرهم بالساعة المجهولة الموعد، يحفظهم من الشرود، فهم لا يدرون متى تأتي الساعة، فهم من موعدها على حذر دائم وعلى استعداد دائم. ذلك لمن صحت فطرته واستقام. فأما من فسدت فطرته واتبع هواه فيغفل ويجهل، فيسقط ومصيره إلى الردى:
«فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى» ..

[1] قيل: إنها اسم الوادي وقيل: إنها وصف له.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2331
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست