نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2328
وسلم- فلا يكلف فتح مغاليق القلوب، والسيطرة على الأفئدة والنفوس. إنما ذلك إلى الله الذي أنزل هذا القرآن. وهو المهيمن على الكون كله، المحيط بخفايا القلوب والأسرار:
«تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى. الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى» ..
فالذي نزل هذا القرآن هو الذي خلق الأرض والسماوات.. السماوات العلى.. فالقرآن ظاهرة كونية كالأرض والسماوات. تنزلت من الملأ الأعلى. ويربط السياق بين النواميس التي تحكم الكون والتي ينزل بها القرآن كما ينسق ظل السماوات العلى مع الأرض، وظل القرآن الذي ينزل من الملأ الأعلى إلى الأرض..
والذي نزل القرآن من الملأ الأعلى، وخلق الأرض والسماوات العلى، هو «الرَّحْمنُ» فما نزله على عبده ليشقى. وصفة الرحمة هي التي تبرز هنا للإلمام بهذا المعنى. وهو المهيمن على الكون كله. «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» والاستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة والاستعلاء. فأمر الناس إذن إليه وما على الرسول إلا التذكرة لمن يخشى.
ومع الهيمنة والاستعلاء الملك والإحاطة:
«لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى» ..
والمشاهد الكونية تستخدم في التعبير لإبراز معنى الملك والإحاطة في صورة يدركها التصور البشري.
والأمر أكبر من ذلك جدا. ولله ما في الوجود كله وهو أكبر مما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
وعلم الله يحيط بما يحيط به ملكه:
«وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى» ..
وينسق التعبير بين الظل الذي تلقيه الآية: «لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى» .
والظل الذي تلقيه الآية بعدها: «وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى» ينسق بين الظاهر الجاهر في الكون، والظاهر الجاهر من القول. وبين المستور المخبوء تحت الثرى والمستور المخبوء في الصدور:
السر وأخفى. على طريقة التنسيق في التصوير. والسر خاف. وما هو أخفى من السر تصوير لدرجات الخفاء والاستتار، كما هو الحال تحت أطباق الثرى..
والخطاب للرسول- صلى الله عليه وسلم- لطمأنة قلبه بأن ربه معه يسمعه، ولا يتركه وحده يشقى بهذا القرآن، ويواجه الكافرين بلا سند، فإذا كان يدعوه جهرا فإنه يعلم السر وأخفى. والقلب حين يستشعر قرب الله منه، وعلمه بسره ونجواه، يطمئن ويرضى ويأنس بهذا القرب فلا يستوحش من العزلة بين المكذبين المناوئين ولا يشعر بالغربة بين المخالفين له في العقيدة والشعور.
ويختم هذا المطلع بإعلان وحدانية الله بعد إعلان هيمنته وملكيته وعلمه:
«اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» ..
و «الْحُسْنى» تشارك في تنسيق الإيقاع: كما تشارك في تنسيق الظلال. ظلال الرحمة والقرب. والرعاية، التي تغمر جو هذا المطلع وجو السورة كله.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2328