نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2327
وتحيط بالقصة مشاهد القيامة. وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم. حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار. تصديقا لما قيل لأبيهم آدم، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان! ومن ثم يمضي السياق في هذه السورة في شوطين اثنين: الشوط الأول يتضمن مطلع السورة بالخطاب إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- «ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ... » تتبعه قصة موسى نموذجا كاملا لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم لإبلاغ دعوته فلا يشقون بها وهم في رعايته.
والشوط الثاني يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى. ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة.
وللسورة ظل خاص يغمر جوها كله.. ظل علوي جليل، تخشع له القلوب، وتسكن له النفوس، وتعنو له الجباه.. إنه الظل الذي يخلعه تجلي الرحمن على الوادي المقدس على عبده موسى، في تلك المناجاة الطويلة والليل ساكن وموسى وحيد، والوجود كله يتجاوب بذلك النجاء الطويل.. وهو الظل الذي يخلعه تجلي القيوم في موقف الحشر العظيم: «وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً» .. «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ» ..
والإيقاع الموسيقي للسورة كلها يستطرد في مثل هذا الجو من مطلعها إلى ختامها رخيا شجيا نديا بذلك المد الذاهب مع الألف المقصورة في القافية كلها تقريبا.
«طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى. الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى. وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» .
مطلع رخي ندي. يبدأ بالحروف المقطعة: «طا. ها» للتنبيه إلى أن هذه السورة. كهذا القرآن- مؤلفة من مثل هذه الحروف على نحو ما أوردنا في مطالع السور. ويختار هنا حرفان ينتهيان بإيقاع كإيقاع السورة، ويقصران ولا يمدان لتنسيق الإيقاع كذلك.
يتلو هذين الحرفين حديث عن القرآن- كما هو الحال في السور التي تبدأ بالحروف المقطعة- في صورة خطاب إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم-:
«ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» .. ما أنزلنا عليك القرآن ليؤدي إلى شقائك به أو بسببه. ما أنزلناه لتشقى بتلاوته والتعبد به حتى يجاوز ذلك طاقتك، ويشق عليك فهو ميسر للذكر، لا تتجاوز تكاليفه طاقة البشر، ولا يكلفك إلا ما في وسعك، ولا يفرض عليك إلا ما في طوقك والتعبد به في حدود الطاقة نعمة لا شقوة، وفرصة للاتصال بالملأ الأعلى، واستمداد القوة والطمأنينة، والشعور بالرضى والأنس والوصول..
وما أنزلناه عليك لتشقى مع الناس حين لا يؤمنون به. فلست مكلفا أن تحملهم على الإيمان حملا ولا أن تذهب نفسك عليهم حسرات وما كان هذا القرآن إلا للتذكير والإنذار:
«إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى» .
والذي يخشى يتذكر حين يذكر، ويتقي ربه فيستغفر. وعند هذا تنتهي وظيفة الرسول- صلى الله عليه
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2327