نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2314
وهناك رأي نذكره لمجرد الاستئناس به ولا نقرره أو ننفيه، يقول به بعض الباحثين في الآثار المصرية، وهو أن إدريس تعريب لكلمة «أوزريس» المصرية القديمة. كما أن يحيى تعريب لكلمة يوحنا. وكلمة اليسع تعريب لكلمة اليشع.. وأنه هو الذي صيغت حوله أساطير كثيرة. فهم يعتقدون أنه صعد إلى السماء وصار له فيها عرش عظيم. وكل من وزنت أعماله بعد الموت فوجدت حسناته ترجح سيئاته فإنه يلحق بأوزريس الذي جعلوه إلها لهم. وقد علمهم العلوم والمعارف قبل صعوده إلى السماء.
وعلى أية حال فنحن نكتفي بما جاء عنه في القرآن الكريم ونرجح أنه سابق على أنبياء بني إسرائيل.
يستعرض السياق أولئك الأنبياء، ليوازن بين هذا الرعيل من المؤمنين الأتقياء وبين الذين خلفوهم سواء من مشركي العرب أو من مشركي بني إسرائيل.. فإذا المفارقة صارخة والمسافة شاسعة والهوة عميقة والفارق بعيد بين السلف والخلف:
«أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ، وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا. إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ... » .
والسياق يقف في هذا الاستعراض عند المعالم البارزة في صفحة النبوة في تاريخ البشرية «مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ» .
«وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ» . «وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ» . فآدم يشمل الجميع، ونوح يشمل من بعده، وإبراهيم يشمل فرعي النبوة الكبيرين: ويعقوب يشمل شجرة بني إسرائيل. وإسماعيل وإليه ينتسب العرب ومنهم خاتم النبيين.
أولئك النبيون ومعهم من هدى الله واجتبى من الصالحين من ذريتهم.. صفتهم البارزة: «إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا» .. فهم أتقياء شديد والحساسية بالله ترتعش وجداناتهم حين تتلى عليهم آياته، فلا تسعفهم الكلمات للتعبير عما يخالج مشاعرهم من تأثر، فتفيض عيونهم بالدموع ويخرون سجدا وبكيا..
أولئك الأتقياء الحساسون الذين تفيض عيونهم بالدمع وتخشع قلوبهم لذكر الله.. خلف من بعدهم خلف، بعيدون عن الله. «أَضاعُوا الصَّلاةَ» فتركوها وجحدوها «وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ» واستغرقوا فيها. فما أشد المفارقة، وما أبعد الشبه بين أولئك وهؤلاء! ومن ثم يتهدد السياق هؤلاء الذين خالفوا عن سيرة آبائهم الصالحين. يتهددهم بالضلال والهلاك: «فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» والغي الشرود والضلال، وعاقبة الشرود الضياع والهلاك.
ثم يفتح باب التوبة على مصراعيه تنسم منه نسمات الرحمة واللطف والنعمى:
«إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً. جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ. إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا. لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً. وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا. تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا» ..
فالتوبة التي تنشئ الإيمان والعمل الصالح، فتحقق مدلولها الإيجابي الواضح.. تنجي من ذلك المصير فلا يلقى أصحابها «غَيًّا» إنما يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. يدخلون الجنة للإقامة. الجنة التي وعد الرحمن عباده إياها فآمنوا بها بالغيب قبل أن يروها. ووعد الله واقع لا يضيع..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2314