نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2313
في جو السورة، ولأنها هبة الله التي تعوض إبراهيم عن أهله ودياره، وتؤنسه في وحدته واعتزاله.
«وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا» .. فكانوا صادقين في دعوتهم، مسموعي الكلمة في قومهم. يؤخذ قولهم بالطاعة وبالتبجيل.
ثم يمضي السياق مع ذرية إبراهيم: مستطردا مع فرع إسحق فيذكر موسى وهارون:
«وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا. وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا. وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا» ..
فيصف موسى بأنه كان مخلصا استخلصه الله له ومحضه لدعوته. وكان رسولا نبيا. والرسول هو صاحب الدعوة من الأنبياء المأمور بإبلاغها للناس. والنبي لا يكلف إبلاغ الناس دعوة إنما هو في ذاته صاحب عقيدة يتلقاها من الله. وكان في بني إسرائيل أنبياء كثيرون وظيفتهم القيام على دعوة موسى والحكم بالتوراة التي جاء بها من عند الله: «يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا. وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ» ..
ويبين فضل موسى بندائه من جانب الطور الأيمن (الأيمن بالنسبة لموسى إذ ذاك) وتقريبه إلى الله لدرجة الكلام. الكلام القريب في صورة مناجاة. ونحن لا ندري كيف كان هذا الكلام، وكيف أدركه موسى..
أكان صوتا تسمعه الأذن أم يتلقاه الكيان الإنساني كله. ولا نعلم كيف أعد الله كيان موسى البشري لتلقي كلام الله الأزلي.. إنما نؤمن أنه كان. وهو على الله هين أن يصل مخلوقه به بطريقة من الطرق، وهو بشر على بشريته، وكلام الله علوي على علويته. ومن قبل كان الإنسان إنسانا بنفخة من روح الله..
ويذكر رحمة الله بموسى في مساعدته بإرسال أخيه هارون معه حين طلب إلى الله أن يعينه به «وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ» . وظل الرحمة هو الذي يظلل جو السورة كله.
ثم يعود السياق إلى الفرع الآخر من ذرية إبراهيم. فيذكر إسماعيل أبا العرب: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ، إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا. وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ، وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا» ..
وينوه من صفات إسماعيل بأنه كان صادق الوعد. وصدق الوعد صفة كل نبي وكل صالح، فلا بد أن هذه الصفة كانت بارزة في إسماعيل بدرجة تستدعي إبرازها والتنويه بها بشكل خاص.
وهو رسول فلا بد أن كانت له دعوة في العرب الأوائل وهو جدهم الكبير. وقد كان في العرب موحدون أفراد قبيل الرسالة المحمدية، فالأرجح أنهم بقية الموحدين من أتباع إسماعيل. ويذكر السياق من أركان العقيدة التي جاء بها الصلاة والزكاة وكان يأمر بهما أهله.. ثم يثبت له أنه كان عند ربه مرضيا.. والرضى سمة من سمات هذه السورة البارزة في جوها وهي شبيهة بسمة الرحمة، وبينهما قرابة! وأخيرا يختم السياق هذه الإشارات بذكر إدريس:
«وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا. وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا» .
ولا نملك نحن تحديد زمان إدريس. ولكن الأرجح أنه سابق على إبراهيم وليس من أنبياء بني إسرائيل فلم يرد ذكره في كتبهم. والقرآن يصفه بأنه كان صديقا نبيا ويسجل له أن الله رفعه مكانا عليا. فأعلى قدره ورفع ذكره..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2313