نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2295
أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا مخلوقات الله المستعبدة له أنصارا لهم من دونه، ينصرونهم منه ويدفعون عنهم سلطانه؟ إذن فليلقوا عاقبة هذا الحسبان: «إِنَّا أَعْتَدْنا [1] جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا» .. ويا له من نزل مهيأ للاستقبال، لا يحتاج إلى جهد ولا انتظار. فهو حاضر ينتظر النزلاء الكفار! ثم تختم السورة بالإيقاعات الأخيرة، تلخص خطوطها الكثيرة، وتجمع إيقاعاتها المتفرقة:
فأما الإيقاع الأول فهو الإيقاع حول القيم والموازين كما هي في عرف الضالين، وكما هي على وجه اليقين.. قيم الأعمال وقيم الأشخاص..
«قُلْ: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً؟ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً» .
«قُلْ: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا» الذين لا يوجد من هم أشد منهم خسرانا؟ «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» فلم يؤد بهم إلى الهدى، ولم ينته بهم إلى ثمرة أو غاية: «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» لأنهم من الغفلة بحيث لا يشعرون بضلال سعيهم وذهابه سدى، فهم ماضون في هذا السعي الخائب الضال، ينفقون حياتهم فيه هدرا..
قل هل ننبئكم من هم هؤلاء؟
وعند ما يبلغ من استتارة التطلع والانتظار إلى هذا الحد يكشف عنهم فإذا هم:
«أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» ..
وأصل الحبوط هو انتفاخ بطن الدابة حين تتغذى بنوع سام من الكلأ ثم تلقى حتفها.. وهو أنسب شيء لوصف الأعمال.. إنها تنتفخ وأصحابها يظنونها صالحة ناجحة رابحة.. ثم تنتهي إلى البوار! «أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» .. «فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً» ..
فهم مهملون، لا قيمة لهم ولا وزن في ميزان القيم الصحيحة «يَوْمَ الْقِيامَةِ» ولهم بعد ذلك جزاؤهم:
«ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً» .
ويتم التعاون في المشهد بعرض كفة المؤمنين في الميزان وقيمتهم:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا. خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا» ..
وهذا النزل في جنات الفردوس في مقابل ذلك النزل في نار جهنم. وشتان شتان! ثم هذه اللفتة الدقيقة العميقة إلى طبيعة النفس البشرية وإحساسها بالمتاع في قوله: «لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا» ..
وهي تحتاج منا إلى وقفة بإزاء ما فيها من عمق ودقة..
إنهم خالدون في جنات الفردوس.. ولكن النفس البشرية حوّل قلب. تمل الاطراد، وتسأم البقاء على حال واحدة أو مكان واحد وإذا اطمأنت على النعيم من التغير والنفاد فقدت حرصها عليه. وإذا مضى على وتيرة واحدة فقد تسأمه. بل قد تنتهي إلى الضيق به والرغبة في الفرار منه! [1] أحضرنا وأعددنا.»
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2295