نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2278
وهناك روايات كثيرة عن ابن عباس وعن غيره في هذه القصة. ونحن نقف عند نصوص القصة في القرآن.
لنعيش «في ظلال القرآن» ونعتقد أن لعرضها في القرآن على النحو الذي عرضت به، دون زيادة، ودون تحديد للمكان والزمان والأسماء، حكمة خاصة. فنقف نحن عند النص القرآني نتملاه [1] ..
«وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ: لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» ..
والأرجح- والله أعلم- أنه مجمع البحرين: بحر الروم وبحر القلزم. أي البحر الأبيض والبحر الأحمر..
ومجمعهما مكان التقائهما في منطقة البحيرات المرة وبحيرة التمساح. أو أنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر. فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر. وعلى أي فقد تركها القرآن مجملة فنكتفي بهذه الإشارة [2] .
ونفهم من سياق القصة فيما بعد- أنه كان لموسى- عليه السلام- هدف من رحلته هذه التي اعتزمها، وأنه كان يقصد من ورائها أمرا، فهو يعلن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة، ومهما يكن الزمن الذي ينفقه في الوصول. وهو يعبر عن هذا التصميم بما حكاه القرآن من قوله: «أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» والحقب قيل عام، وقيل ثمانون عاما. على أية حال فهو تعبير عن التصميم، لا عن المدة على وجه التحديد.
«فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً. فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً. قالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً..» ..
والأرجح كذلك أن هذا الحوت كان مشوبا، وأن إحياءه واتخاذه سبيله في البحر سربا كان آية من آيات الله لموسى، يعرف بهما موعده، بدليل عجب فتاه من اتخاذه سبيله في البحر، ولو كان يعني أنه سقط منه فغاص في البحر ما كان في هذا عجب. ويرجح هذا الوجه أن الرحلة كلها مفاجآت غيبية. فهذه إحداها.
وأدرك موسى أنه جاوز الموعد الذي حدده ربه له للقاء عبده الصالح. وأنه هنالك عند الصخرة ثم عاد على أثره هو وفتاه فوجداه:
«قالَ: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ. فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً. فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً» ..
ويبدو أن ذلك اللقاء كان سر موسى وحده مع ربه، فلم يطلع عليه فتاه حتى لقياه. ومن ثم ينفرد موسى والعبد الصالح في المشاهد التالية للقصة:
«قالَ لَهُ مُوسى: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟» . [1] أورد البخاري عند الكلام عن هذه القصة في القرآن:
«حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل. وقال ابن عباس: كذب عدو الله. حدثنا أبي بن كعب- رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟
قال: أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ وكيف لي به؟ قال تأخذ معك حوتا فتجعله بمكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم» .. [2] ورد أن قتادة وغير واحد قال: هما بحر فارس مما يلي المشرق وبحر الروم مما يلي المغرب. وقال محمد بن كعب القرظي: مجمع البحرين عند طنجة يعني في أقصى بلاد المغرب.. ونحن نستبعد القولين..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2278