نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2270
ألوان من الحرير. من سندس ناعم خفيف ومن إستبرق مخمل كثيف. تزيد عليها أساور من ذهب للزينة والمتاع: «نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً» ! ومن شاء فليختر. ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ومن شاء فليجالس فقراء المؤمنين، وجبابهم تفوح منها رائحة العرق أو فلينفر. فمن لم ترضه رائحة العرق من تلك الجباب، التي تضم القلوب الزكية بذكر الله، فليرتفق في سرادق النار، وليهنأ بدردي الزيت أو القيح يغاث به من النار..
ثم تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلا للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله. وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس: صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبر التي تسيطر على أقدار الناس والحياة.
ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه. وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلا على المنعم، موجبة لحمده وذكره، لا لجحوده وكفره.
وتبدأ القصة بمشهد الجنتين في ازدهار وفخامة:
«وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ، وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ، وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً. كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً، وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً. وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ» ..
فهما جنتان مثمرتان من الكروم، محفوفتان بسياج من النخيل، تتوسطهما الزروع، ويتفجر بينهما نهر..
إنه المنظر البهيج والحيوية الدافقة والمتاع والمال:
«كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً» .. ويختار التعبير كلمة «تَظْلِمْ» في معنى تنقص وتمنع، لتقابل بين الجنتين وصاحبهما الذي ظلم نفسه فبطر ولم يشكر، وازدهى وتكبر.
وها هو ذا صاحب الجنتين تمتلىء نفسه بهما، ويزدهيه النظر إليهما، فيحس بالزهو، وينتفش كالديك، ويختال كالطاووس، ويتعالى على صاحبه الفقير: «فَقالَ لِصاحِبِهِ- وَهُوَ يُحاوِرُهُ- أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً» ..
ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين، وملء نفسه البطر، وملء جنبه الغرور وقد نسي الله، ونسي أن يشكره على ما أعطاه وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تبيد أبدا، أنكر قيام الساعة أصلا، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنابه ملحوظا في الآخرة! «وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ. قالَ: ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً. وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً» ! إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظ! فأما صاحبه الفقير الذي لا مال له ولا نفر، ولا جنة عنده ولا ثمر.. فإنه معتز بما هو أبقى وأعلى. معتز بعقيدته وإيمانه. معتز بالله الذي تعنؤ له الجباه فهو يجبه صاحبه المتبطر المغرور منكرا عليه بطره وكبره، يذكره بمنشئه المهين من ماء وطين، ويوجهه إلى الأدب الواجب في حق المنعم. وينذره عاقبة البطر والكبر. ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2270