responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2269
وقيم زائلة. إنما التفاضل بمكانها عند الله. ومكانها عند الله يوزن بقدر اتجاهها إليه وتجردها له. وما عدا هذا فهو الهوى والسفه والبطلان.
«وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا» .. أغفلنا قلبه حين اتجه إلى ذاته، وإلى ماله، وإلى أبنائه، وإلى متاعه ولذائذه وشهواته، فلم يعد في قلبه متسع لله. والقلب الذي يشتغل بهذه الشواغل، ويجعلها غاية حياته لا جرم يغفل عن ذكر الله، فيزيده الله غفلة، ويملي له فيما هو فيه، حتى تفلت الأيام من بين يديه، ويلقى ما أعده الله لأمثاله الذين يظلمون أنفسهم، ويظلمون غيرهم:
«وَقُلِ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ» ..
بهذه العزة، وبهذه الصراحة، وبهذه الصرامة، فالحق لا ينثني ولا ينحني، إنما يسير في طريقه قيما لا عوج فيه، قويا لا ضعف فيه، صريحا لا مداورة فيه. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ومن لم يعجبه الحق فليذهب، ومن لم يجعل هواه تبعا لما جاء من عند الله فلا مجاملة على حساب العقيدة ومن لم يحن هامته ويطامن من كبريائه أمام جلال الله فلا حاجة بالعقيدة إليه.
إن العقيدة ليست ملكا لأحد حتى يجامل فيها. إنما هي ملك لله، والله غني عن العالمين. والعقيدة لا تعتز ولا تنتصر بمن لا يريدونها لذاتها خالصة، ولا يأخذونها كما هي بلا تحوير. والذي يترفع عن المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه لا يرجى منه خير للإسلام ولا المسلمين ثم يعرض ما أعد للكافرين، وما أعد للمؤمنين في مشهد من مشاهد القيامة:
«إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ. بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ، يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ. نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً» .
«إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً» .. أعددناها وأحضرناها.. فهي لا تحتاج إلى جهد لإيقادها، ولا تستغرق زمنا لإعدادها! ومع أن خلق أي شيء لا يقتضي إلا كلمة الإرادة: كن. فيكون. إلا أن التعبير هنا بلفظ «أَعْتَدْنا» يلقي ظل السرعة والتهيؤ والاستعداد، والأخذ المباشر إلى النار المعدة المهيأة للاستقبال! وهي نار ذات سرادق يحيط بالظالمين، فلا سبيل إلى الهرب، ولا أمل في النجاة والإفلات. ولا مطمع في منفذ تهب منه نسمة، أو يكون فيه استرواح! فإن استغاثوا من الحريق والظمأ أغيثوا.. أغيثوا بماء كدردي الزيت المغلي في قول، وكالصديد الساخن في قول! يشوي الوجوه بالقرب منها فكيف بالحلوق والبطون التي تتجرعه «بِئْسَ الشَّرابُ» الذي يغاث به الملهوفون من الحريق! ويا لسوء النار وسرادقها مكانا للارتفاق والاتكاء. وفي ذكر الارتفاق في سرادق النار تهكم مرير. فما هم هنالك للارتفاق، إنما هم للاشتواء! ولكنها مقابلة مع ارتفاق الذين آمنوا وعملوا الصالحات هنالك في الجنان.. وشتان شتان! وبينما هؤلاء كذلك إذا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات عدن. للإقامة. تجري من تحتهم الأنهار بالري وبهجة المنظر واعتدال النسيم. وهم هنالك للارتفاق حقا «مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ» وهم رافلون في

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2269
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست