responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2264
وهم يحذرون أن ينكشف أمرهم ويعرف مخبؤهم. فيأخذهم أصحاب السلطان في المدينة فيقتلوهم رجما- بوصفهم خارجين على الدين لأنهم يعبدون إلها واحدا في المدينة المشركة! - أو يفتنوهم عن عقيدتهم بالتعذيب.
وهذه هي التي يتقونها. لذلك يوصون الرسول أن يكون حذرا لبقا: «وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً. إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً» .. فما يفلح من يرتد عن الإيمان إلى الشرك، وإنها للخسارة الكبرى.
وهكذا نشهد الفتية يتناجون فيما بينهم، حذرين خائفين، لا يدرون أن الأعوام قد كرت، وأن عجلة الزمن قد دارت، وأن أجيالا قد تعاقبت، وأن مدينتهم التي يعرفونها قد تغيرت معالمها، وأن المتسلطين الذين يخشونهم على عقيدتهم قد دالت دولتهم، وأن قصة الفتية الذين فروا بدينهم في عهد الملك الظالم قد تناقلها الخلف عن السلف وأن الأقاويل حولهم متعارضة حول عقيدتهم، وحول الفترة التي مضت منذ اختفائهم.
وهنا يسدل الستار على مشهدهم في الكهف ليرفع على مشهد آخر. وبين المشهدين فجوة متروكة في السياق القرآني.
ونفهم أن أهل المدينة اليوم مؤمنون، فهم شديد والحفاوة بالفتية المؤمنين بعد أن انكشف أمرهم بذهاب أحدهم لشراء الطعام، وعرف الناس أنه أحد الفتية الذين فروا بدينهم منذ عهد بعيد.
ولنا أن نتصور ضخامة المفاجأة التي اعترت الفتية- بعد أن أيقن زميلهم أن المدينة قد مضى عليها العهد الطويل منذ أن فارقوها وأن الدنيا قد تبدلت من حولهم فلم يعد لشيء مما ينكرونه ولا لشيء مما يعرفونه وجود! وأنهم من جيل قديم مضت عليه القرون. وأنهم أعجوبة في نظر الناس وحسهم، فلن يمكن أن يعاملوهم كبشر عاديين. وأن كل ما يربطهم بجيلهم من قرابات ومعاملات ومشاعر وعادات وتقاليد.. كله قد تقطع، فهم أشبه بالذكرى الحية منهم بالأشخاص الواقعية.. فيرحمهم الله من هذا كله فيتوفاهم.
لنا أن نتصور هذا كله. أما السياق القرآني فيعرض المشهد الأخير، مشهد وفاتهم، والناس خارج الكهف يتنازعون في شأنهم: على أي دين كانوا، وكيف يخلدونهم ويحفظون ذكراهم للأجيال. ويعهد مباشرة إلى العبرة المستقاة من هذا الحادث العجيب:
«وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها. إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ، فَقالُوا: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ. قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً» .
إن العبرة في خاتمة هؤلاء الفتية هي دلالتها على البعث بمثل واقعي قريب محسوس. يقرب إلى الناس قضية البعث. فيعلموا أن وعد الله بالبعث حق، وأن الساعة لا ريب فيها.. وعلى هذا النحو بعث الله الفتية من نومتهم وأعثر قومهم عليهم.
وقال بعض الناس: «ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً» لا يحدد عقيدتهم «رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ» وبما كانوا عليه من عقيدة.
وقال أصحاب السلطان في ذلك الأوان: «لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً» والمقصود معبد، على طريقة اليهود والنصارى في اتخاذ المعابد على مقابر الأنبياء والقديسين. وكما يصنع اليوم من يقلدونهم من المسلمين مخالفين لهدى الرسول- صلى الله عليه وسلم- «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» [1] .
ويسدل الستار على هذا المشهد. ثم يرفع لنسمع الجدل حول أصحاب الكهف- على عادة الناس يتناقلون

[1] أورده ابن كثير في التفسير.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2264
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست