responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2247
«وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ» .. والتهجد الصلاة بعد نومة أول الليل. والضمير في «بِهِ» عائد على القرآن، لأنه روح الصلاة وقوامها.
«عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً» .. بهذه الصلاة وبهذا القرآن والتهجد به، وبهذه الصلة الدائمة بالله.
فهذا هو الطريق المؤدي إلى المقام المحمود وإذا كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يؤمر بالصلاة والتهجد والقرآن ليبعثه ربه المقام المحمود المأذون له به [1] ، وهو المصطفى المختار، فما أحوج الآخرين إلى هذه الوسائل لينالوا المقام المأذون لهم به في درجاتهم. فهذا هو الطريق. وهذا هو زاد الطريق.
«وَقُلْ: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ. وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً» .
وهو دعاء يعلمه الله لنبيه ليدعوه به. ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وفيم تتجه إليه. دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج، كناية عن صدق الرحلة كلها. بدئها وختامها. أولها وآخرها وما بين الأول والآخر. وللصدق هنا قيمته بمناسبة ما حاوله المشركون من فتنته عما أنزل الله عليه ليفتري على الله غيره. وللصدق كذلك ظلاله:
ظلال الثبات والاطمئنان والنظافة والإخلاص. «وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً» قوة وهيبة أستعلي بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين وكلمة «مِنْ لَدُنْكَ» تصور القرب والاتصال بالله والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء إلى حماه.
وصاحب الدعوة لا يمكن أن يستمد السلطان إلا من الله. ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله. لا يمكن أن يستظل بحاكم أو ذي جاه فينصره ويمنعه ما لم يكن اتجاهه قبل ذلك إلى الله. والدعوة قد تغزو قلوب ذوي السلطان والجاه، فيصبحون لها جندا وخدما فيفلحون، ولكنها هي لا تفلح إن كانت من جند السلطان وخدمه، فهي من أمر الله، وهي أعلى من ذوي السلطان والجاه.
«وَقُلْ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» ..
بهذا السلطان المستمد من الله، أعلن مجيء الحق بقوته وصدقه وثباته، وزهوق الباطل واندحاره وجلاءه.
فمن طبيعة الصدق أن يحيا ويثبت، ومن طبيعة الباطل أن يتوارى ويزهق..
«إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» .. حقيقة لدنية يقررها بصيغة التوكيد. وإن بدا للنظرة الأولى أن للباطل صولة ودولة. فالباطل ينتفخ ويتنفج وينفش، لأنه باطل لا يطمئن إلى حقيقة ومن ثم يحاول أن يموه على العين، وأن يبدو عظيما كبيرا ضخما راسخا، ولكنه هش سريع العطب، كشعلة الهشيم ترتفع في الفضاء عاليا ثم تخبو سريعا وتستحيل إلى رماد بينما الجمرة الذاكية تدفىء وتنفع وتبقى وكالزبد يطفو على الماء ولكنه يذهب جفاء ويبقى الماء.
«إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» .. لأنه لا يحمل عناصر البقاء في ذاته، إنما يستمد حياته الموقوتة من عوامل خارجية وأسناد غير طبيعية فإذا تخلخلت تلك العوامل، ووهت هذه الأسناد تهاوى وانهار. فأما الحق فمن ذاته يستمد عناصر وجوده. وقد تقف ضده الأهواء وتقف ضده الظروف ويقف ضده السلطان.. ولكن ثباته واطمئنانه يجعل له العقبى ويكفل له البقاء، لأنه من عند الله الذي جعل «الْحَقُّ» من أسمائه وهو الحي الباقي الذي لا يزول.
«إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» .. ومن ورائه الشيطان، ومن ورائه السلطان. ولكن وعد الله أصدق، وسلطان

[1] في روايات أنه مقام الشفاعة يوم القيامة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست