responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2246
لذلك امتن الله على رسوله- صلى الله عليه وسلم- أن ثبته على ما أوحى الله، وعصمه من فتنة المشركين له، ووقاه الركون إليهم- ولو قليلا- ورحمه من عاقبة هذا الركون، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفا، وفقدان المعين والنصير.
وعند ما عجز المشركون عن استدراج الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الفتنة حاولوا استفزازه من الأرض- أي مكة- ولكن الله أوحى إليه أن يخرج هو مهاجرا، لما سبق في علمه من عدم إهلاك قريش بالإبادة. ولو أخرجوا الرسول- صلى الله عليه وسلم- عنوة وقسرا لحل بهم الهلاك «وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا» فهذه هي سنة الله النافذة: «سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا، وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا» .
ولقد جعل الله هذه سنة جارية لا تتحول، لأن إخراج الرسل كبيرة تستحق التأديب الحاسم. وهذا الكون تصرفه سنن مطردة، لا تتحول أمام اعتبار فردي. وليست المصادفات العابرة هي السائدة في هذا الكون، إنما هي السنن المطردة الثابتة. فلما لم يرد الله أن يأخذ قريشا بعذاب الإبادة كما أخذ المكذبين من قبل، لحكمة علوية، لم يرسل الرسول بالخوارق، ولم يقدر أن يخرجوه عنوة، بل أوحى إليه بالهجرة. ومضت سنة الله في طريقها لا تتحول..
بعد ذلك يوجه الله رسوله- صلى الله عليه وسلم- إلى الاتصال به، واستمداد العون منه، والمضي في طريقه، يعلن انتصار الحق وزهوق الباطل:
«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. وَقُلْ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً» ..
ودلوك الشمس هو ميلها إلى المغيب. والأمر هنا للرسول- صلى الله عليه وسلم- خاصة. أما الصلاة المكتوبة فلها أوقاتها التي تواترت بها أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- وتواترت بها سنته العملية. وقد فسر بعضهم دلوك الشمس بزوالها عن كبد السماء، والغسق بأول الليل، وفسر قرآن الفجر بصلاة الفجر، وأخذ من هذا أوقات الصلاة المكتوبة وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء- من دلوك الشمس إلى الغسق- ثم الفجر.
وجعل التهجد وحده هو الذي اختص رسول الله بأن يكون مأمورا به، وأنه نافلة له. ونحن نميل إلى الرأي الأول. وهو أن كل ما ورد في هذه الآيات مختص بالرسول- صلى الله عليه وسلم- وأن أوقات الصلاة المكتوبة ثابتة بالسنة القولية والعملية.
«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» .. أقم الصلاة ما بين ميل الشمس للغروب وإقبال الليل وظلامه واقرأ قرآن الفجر «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» .. ولهذين الآنين خاصيتهما وهما إدبار النهار وإقبال الليل. وإدبار الليل وإقبال النهار. ولهما وقعهما العميق في النفس، فإن مقدم الليل وزحف الظلام، كمطلع النور وانكشاف الظلمة.. كلاهما يخشع فيه القلب، وكلاهما مجال للتأمل والتفكر في نواميس الكون التي لا تفتر لحظة ولا تختل مرة. وللقرآن- كما للصلاة- إيقاعه في الحس في مطلع الفجر ونداوته، ونسماته الرخية، وهدوئه السارب، وتفتحه بالنور، ونبضه بالحركة، وتنفسه بالحياة.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2246
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست