نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2239
«قالَ: اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً» ..
اذهب فحاول محاولتك. اذهب مأذونا في إغوائهم. فهم مزودون بالعقل والإرادة، يملكون أن يتبعوك أو يعرضوا عنك «فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ» مغلبا جانب الغواية في نفسه على جانب الهداية، معرضا عن نداء الرحمن إلى نداء الشيطان، غافلا عن آيات الله في الكون، وآيات الله المصاحبة للرسالات، «فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ» أنت وتابعوك «جَزاءً مَوْفُوراً» .
«وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» .
وهو تجسيم لوسائل الغواية والإحاطة، والاستيلاء على القلوب والمشاعر والعقول. فهي المعركة الصاخبة، تستخدم فيها الأصوات والخيل والرجل على طريقة المعارك والمبارزات. يرسل فيها الصوت فيزعج الخصوم ويخرجهم من مراكزهم الحصينة، أو يستدرجهم للفخ المنصوب والمكيدة المدبرة. فإذا استدرجوا إلى العراء أخذتهم الخيل، وأحاطت بهم الرجال! «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ» ..
وهذه الشركة تتمثل في أوهام الوثنية الجاهلية، إذ كانوا يجعلون في أموالهم نصيبا للآلهة المدعاة- فهي للشيطان- وفي أولادهم نذورا للآلهة أو عبيدا لها- فهي للشيطان- كعبد اللات وعبد مناة. وأحيانا كانوا يجعلونها للشيطان رأسا كعبد الحارث! كما تتمثل في كل مال يجبى من حرام، أو يتصرف فيه بغير حق، أو ينفق في إثم. وفي كل ولد يجيء من حرام. ففيه شركة للشيطان.
والتعبير يصور في عمومه شركة تقوم بين إبليس وأتباعه تشمل الأموال والأولاد وهما قوام الحياة! وإبليس مأذون في أن يستخدم وسائله كلها، ومنها الوعود المغرية الخادعة: «وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً» كالوعد بالإفلات من العقوبة والقصاص. والوعد بالغنى من الأسباب الحرام. والوعد بالغلبة والفوز بالوسائل القذرة والأساليب الخسيسة ...
ولعل أشد الوعود إغراء الوعد بالعفو والمغفرة بعد الذنب والخطيئة وهي الثغرة التي يدخل منها الشيطان على كثير من القلوب التي يعز عليه غزوها من ناحية المجاهرة بالمعصية والمكابرة. فيتلطف حينئذ إلى تلك النفوس المتحرجة، ويزين لها الخطيئة وهو يلوح لها بسعة الرحمة الإلهية وشمول العفو والمغفرة! اذهب مأذونا في إغواء من يجنحون إليك. ولكن هنالك من لا سلطان لك عليهم، لأنهم مزودون بحصانة تمنعهم منك ومن خيلك ورجلك! «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ. وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا» ..
فمتى اتصل القلب بالله، واتجه إليه بالعبادة. متى ارتبط بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. متى أيقظ في روحه النفخة العلوية فأشرقت وأنارت.. فلا سلطان حينئذ للشيطان على ذلك القلب الموصول بالله، وهذا الروح المشرق بنور الإيمان.. «وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا» يعصم وينصر ويبطل كيد الشيطان.
وانطلق الشيطان ينفذ وعيده، ويستذل عبيده، ولكنه لا يجرؤ على عباد الرحمن، فما له عليهم من سلطان.
ذلك ما يبيته الشيطان للناس من شر وأذى ثم يوجد في الناس من يتبعون هذا الشيطان، ويستمعون إليه،
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2239