responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2238
ولقد أخبرهم بوعد الله له وبما أطلعه الله عليه في رؤياه الكاشفة الصادقة. ومنه شجرة الزقوم التي يخوف الله بها المكذبين. فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل متهكما: هاتوا لنا تمرا وزبدا، وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا! فماذا كانت الخوارق صانعة مع القوم لو كانت هي آية رسالته كما كانت علامة الرسالات قبله ومعجزة المرسلين؟ وما زادتهم خارقة الإسراء ولا زادهم التخويف بشجرة الزقوم إلا طغيانا كبيرا؟
إن الله لم يقدر إهلاكهم بعذاب من عنده. ومن ثم لم يرسل إليهم بخارقة. فقد اقتضت إرادته أن يهلك المكذبين بالخوارق. أما قريش فقد أمهلت ولم تؤخذ بالإبادة كقوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب..
ومن المكذبين من آمن بعد ذلك وكان من جند الإسلام الصادقين. ومنهم من أنجب المؤمنين الصادقين. وظل القرآن- معجزة الإسلام- كتابا مفتوحا لجيل محمد- صلى الله عليه وسلم- وللأجيال بعده، فآمن به من لم يشهد الرسول وعصره وصحابته. إنما قرأ القرآن أو صاحب من قرأه. وسيبقى القرآن كتابا مفتوحا للأجيال، يهتدي به من هم بعد في ضمير الغيب، وقد يكون منهم من هو أشد إيمانا وأصلح عملا، وأنفع للإسلام من كثير سبقوه..
وفي ظل الرؤيا التي رآها الرسول- صلى الله عليه وسلم- واطلع فيها على ما اطلع من عوالم، والشجرة الملعونة التي يطعم منها أتباع الشياطين.. يجيء مشهد إبليس الملعون، يهدد ويتوعد بإغواء الضالين:
«وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ. فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ. قالَ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً؟ قالَ: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا. قالَ: اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ. وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً. إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ. وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا» ..
إن السياق يكشف عن الأسباب الأصيلة لضلال الضالين، فيعرض هذا المشهد هنا، ليحذر الناس وهم يطلعون على أسباب الغواية، ويرون إبليس عدوهم وعدو أبيهم يتهددهم بها، عن إصرار سابق قديم! «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً؟» إنه حسد إبليس لآدم يجعله يذكر الطين ويغفل نفخة الله في هذا الطين! ويعرض إبليس بضعف هذا المخلوق واستعداده للغواية، فيقول في تبجح:
«أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ؟» أترى هذا المخلوق الذي جعلته أكرم مني عندك؟
«لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا» .. فلأستولين عليهم وأحتويهم وأملك زمامهم وأجعلهم في قبضة يدي أصرف أمرهم.
ويغفل إبليس عن استعداد الإنسان للخير والهداية استعداده للشر والغواية. عن حالته التي يكون فيها متصلا بالله فيرتفع ويسمو ويعتصم من الشر والغواية، ويغفل عن أن هذه هي مزية هذا المخلوق التي ترفعه على ذوي الطبيعة المفردة التي لا تعرف إلا طريقا واحدا تسلكه بلا إرادة. فالإرادة هي سر هذا المخلوق العجيب.
وتشاء إرادة الله أن يطلق لرسول الشر والغواية الزمام، يحاول محاولته مع بني الإنسان:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2238
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست