نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2234
الله. ليس لهم سوى هذه الكلمة من قول ولا جواب! وهو جواب عجيب ممن كانوا ينكرون اليوم كله وينكرون الله، فلا يكون لهم جواب إلا أن يقولوا: الحمد لله. الحمد لله! ويومئذ تنطوي الحياة الدنيا كما ينطوي الظل: «وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا» .
وتصوير الشعور بالدنيا على هذا النحو يصغر من قيمتها في نفوس المخاطبين، فإذا هي قصيرة قصيرة، لا يبقى من ظلالها في النفس وصورها في الحس، إلا أنها لمحة مرت وعهد زال وظل تحول، ومتاع قليل.
ثم يلتفت السياق عن هؤلاء المكذبين بالبعث والنشور، المستهزئين بوعد الله وقول الرسول، المنغضين رؤوسهم المتهكمين المتهجمين.. يلتفت عنهم إلى عباد الله المؤمنين ليوجههم الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يقولوا الكلمة الطيبة وينطقوا دائما بالحسنى:
«وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً» .
«وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» على وجه الإطلاق وفي كل مجال. فيختاروا أحسن ما يقال ليقولوه..
بذلك يتقون أن يفسد الشيطان ما بينهم من مودة. فالشيطان ينزغ بين الإخوة بالكلمة الخشنة تفلت، وبالرد السيّء يتلوها فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء. والكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب، تندّي جفافها، وتجمعها على الود الكريم.
«إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً» ..
يتلمس سقطات فمه وعثرات لسانه، فيغري بها العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه. والكلمة الطيبة تسد عليه الثغرات، وتقطع عليه الطريق، وتحفظ حرم الأخوة آمنا من نزغاته ونفثاته.
وبعد هذه اللفتة يعود السياق إلى مصائر القوم يوم يدعوهم فيستجيبون بحمده، فإذا المصير كله بيد الله وحده، إن شاء رحم، وإن شاء عذب، وهم متروكون لقضاء الله، وما الرسول عليهم بوكيل، إن هو إلا رسول:
«رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ، إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ، وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا. وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ..
فالعلم المطلق لله. وهو يرتب على كامل علمه بالناس رحمتهم أو عذابهم. وعند البلاغ تنتهي وظيفة الرسول.
وعلم الله الكامل يشمل من في السماوات والأرض من ملائكة ورسل وإنس وجن، وكائنات لا يعلم إلا الله ما هي؟ وما قدرها؟ وما درجتها.
وبهذا العلم المطلق بحقائق الخلائق فضل الله بعض النبيين على بعض:
«وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ» . وهو تفضيل يعلم الله أسبابه. أما مظاهر هذا التفضيل فقد سبق الحديث عنها في الجزء الثالث من هذه الظلال عند تفسير قوله تعالى: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ» ..
فيراجع في موضعه هناك:
«وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً» .. وهو نموذج من عطاء الله لأحد أنبيائه، ومن مظاهر التفضيل أيضا. إذ كانت
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2234