نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2226
المسلم حرام دمه وعرضه وماله» [1] ولكنه يشدد في مال اليتيم ويبرز النهي عن مجرد قربه إلا بالتي هي أحسن.
ذلك أن اليتيم ضعيف عن تدبير ماله، ضعيف عن الذود عنه، والجماعة الإسلامية مكلفة برعاية اليتيم وماله حتى يبلغ أشده ويرشد ويستطيع أن يدبر ماله وأن يدفع عنه.
ومما يلاحظ في هذه الأوامر والنواهي أن الأمور التي يكلف بها كل فرد بصفته الفردية جاء الأمر أو النهي فيها بصيغة المفرد أما الأمور التي تناط بالجماعة فقد جاء الأمر أو النهي فيها بصيغة الجمع، ففي الإحسان للوالدين وإيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل، وعدم التبذير، والتوسط في الإنفاق بين البخل والسرف، وفي التثبت من الحق والنهي عن الخيلاء والكبر.. كان الأمر أو النهي بصيغة المفرد لما لها من صبغة فردية. وفي النهي عن قتل الأولاد وعن الزنا وعن قتل النفس، والأمر برعاية مال اليتيم والوفاء بالعهد، وإيفاء الكيل والميزان كان الأمر أو النهي بصيغة الجمع لما لها من صبغة جماعية.
ومن ثم جاء النهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن في صيغة الجمع، لتكون الجماعة كلها مسؤولة عن اليتيم وماله، فهذا عهد عليها بوصفها جماعة.
ولأن رعاية مال اليتيم عهد على الجماعة ألحق به الأمر بالوفاء بالعهد إطلاقا. «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا» .. يسأل الله جل جلاله عن الوفاء به، ويحاسب من ينكث به وينقضه.
وقد أكد الإسلام على الوفاء بالعهد وشدد. لأن هذا الوفاء مناط الاستقامة والثقة والنظافة في ضمير الفرد وفي حياة الجماعة. وقد تكرر الحديث عن الوفاء بالعهد في صور شتى في القرآن والحديث سواء في ذلك عهد الله وعهد الناس. عهد الفرد وعهد الجماعة وعهد الدولة. عهد الحاكم وعهد المحكوم. وبلغ الإسلام في واقعه التاريخي شأوا بعيدا في الوفاء بالعهود لم تبلغه البشرية إلا في ظل الإسلام [2] .
ومن الوفاء بالعهد إلى إيفاء الكيل والميزان:
«وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ. ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» ..
والمناسبة بين الوفاء بالعهد وإيفاء الكيل والميزان ظاهرة في المعنى واللفظ، فالانتقال في السياق ملحوظ التناسق.
وإيفاء الكيل والاستقامة في الوزن، أمانة في التعامل، ونظافة في القلب، يستقيم بهما التعامل في الجماعة، وتتوافر بهما الثقة في النفوس، وتتم بهما البركة في الحياة. «ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» .. خير في الدنيا وأحسن مآلا في الآخرة.
والرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه، ليس به إلا مخافة الله، إلا أبدله الله به في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير من ذلك» .
والطمع في الكيل والوزن قذارة وصغار في النفس، وغش وخيانة في التعامل تتزعزع بهما الثقة، ويتبعها الكساد، وتقل بهما البركة في محيط الجماعة، فيرتد هذا على الأفراد وهم يحسبون أنهم كاسبون بالتطفيف. [1] أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. [2] يراجع كتاب «السلام العالمي في الإسلام» فصل: «سلام المجتمع» فقرة: «العنصر الأخلاقي في المعاملات» «دار الشروق» . [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2226