نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2225
وحياة بكف يد أصحاب الدم أن تثور نفوسهم فيثأروا ولا يقفوا عند القاتل، بل يمضوا في الثأر، ويتبادلوا القتل فلا يقف هذا الفريق وذاك حتى تسيل دماء ودماء. وحياة بأمن كل فرد على شخصه واطمئنانه إلى عدالة القصاص، فينطلق آمنا يعمل وينتج فإذا الأمة كلها في حياة.
وأما الثانية فهي دفع للفساد القاتل في انتشار الفاحشة، وهي لون من القتل على النحو الذي بيناه.
وأما الثالثة فهي دفع للفساد الروحي الذي يشيع الفوضى في الجماعة، ويهدد أمنها ونظامها الذي اختاره الله لها، ويسلمها إلى الفرقة القاتلة. والتارك لدينه المفارق للجماعة إنما يقتل لأنه اختار الإسلام لم يجبر عليه، ودخل في جسم الجماعة المسلمة، واطلع على أسرارها، فخروجه بعد ذلك عليها فيه تهديد لها. ولو بقي خارجها ما أكرهه أحد على الإسلام. بل لتكفل الإسلام بحمايته إن كان من أهل الكتاب وبإجارته وإبلاغه مأمنه إن كان من المشركين. وليس بعد ذلك سماحة للمخالفين في العقيدة.
«وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» .. «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» ..
تلك الأسباب الثلاثة هي المبيحة للقتل، فمن قتل مظلوما بغير واحد من تلك الأسباب، فقد جعل الله لوليه- وهو أقرب عاصب إليه- سلطانا على القاتل، إن شاء قتله وإن شاء عفا على الدية، وإن شاء عفا عنه بلا دية.
فهو صاحب الأمر في التصرف في القاتل، لأن دمه له.
وفي مقابل هذا السلطان الكبير ينهاه الإسلام عن الإسراف في القتل استغلالا لهذا السلطان الذي منحه إياه.
والإسراف في القتل يكون بتجاوز القاتل إلى سواه ممن لا ذنب لهم- كما يقع في الثأر الجاهلي الذي يؤخذ فيه الآباء والأخوة والأبناء والأقارب بغير ذنب إلا أنهم من أسرة القاتل- ويكون الإسراف كذلك بالتمثيل بالقاتل، والولي مسلط على دمه بلا مثلة. فالله يكره المثلة والرسول قد نهى عنها.
«فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» يقضي له الله، ويؤيده الشرع، وينصره الحاكم. فليكن عادلا في قصاصه، وكل السلطات تناصره وتأخذ له بحقه.
وفي تولية صاحب الدم على القصاص من القاتل، وتجنيد سلطان الشرع وسلطان الحاكم لنصرته تلبية للفطرة البشرية، وتهدئة للغليان الذي تستشعره نفس الولي. الغليان الذي قد يجرفه ويدفعه إلى الضرب يمينا وشمالا في حمى الغضب والانفعال على غير هدى. فأما حين يحس أن الله قد ولاه على دم القاتل، وأن الحاكم مجند لنصرته على القصاص، فإن ثائرته تهدأ ونفسه تسكن ويقف عند حد القصاص العادل الهادئ.
والإنسان إنسان فلا يطالب بغير ما ركب في فطرته من الرغبة العميقة في القصاص. لذلك يعترف الإسلام بهذه الفطرة ويلبيها في الحدود المأمونة، ولا يتجاهلها فيفرض التسامح فرضا. إنما هو يدعو إلى التسامح ويؤثره ويحبب فيه، ويأجر عليه. ولكن بعد أن يعطي الحق. فلولي الدم أن يقتص أو يصفح. وشعور ولي الدم بأنه قادر على كليهما قد يجنح به إلى الصفح والتسامح، أما شعوره بأنه مرغم على الصفح فقد يهيج نفسه ويدفع به إلى الغلو والجماح! وبعد أن ينتهي السياق من حرمة العرض وحرمة النفس، يتحدث عن حرمة مال اليتيم، وحرمة العهد.
«وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا» ..
والإسلام يحفظ على المسلم دمه وعرضه وماله، لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- «كل المسلم على
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2225