نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2214
حتى إذا ذاق بنو إسرائيل ويلات الغلب والقهر والذل فرجعوا إلى ربهم، وأصلحوا أحوالهم وأفادوا من البلاء المسلط عليهم. وحتى إذا استعلى الفاتحون وغرتهم قوتهم، فطغوا هم الآخرون وأفسدوا في الأرض، أدال الله للمغلوبين من الغالبين، ومكن للمستضعفين من المستكبرين: «ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً» ..
ثم تتكرر القصة من جديد! وقبل أن يتم السياق بقية النبوءة الصادقة والوعد المفعول يقرر قاعدة العمل والجزاء:
«إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» ..
القاعدة التي لا تتغير في الدنيا وفي الآخرة والتي تجعل عمل الإنسان كله له، بكل ثماره ونتائجه. وتجعل الجزاء ثمرة طبيعية للعمل، منه تنتج، وبه تتكيف وتجعل الإنسان مسؤولا عن نفسه، إن شاء أحسن إليها، وإن شاء أساء، لا يلومن إلا نفسه حين يحق عليه الجزاء.
فإذا تقررت القاعدة مضى السياق يكمل النبوءة الصادقة:
«فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ، وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً» ..
ويحذف السياق ما يقع من بني إسرائيل بعد الكرة من إفساد في الأرض، اكتفاء بذكره من قبل: «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» ويثبت ما يسلطه عليهم في المرة الآخرة: «فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ» بما يرتكبونه معهم من نكال يملأ النفوس بالإساءة حتى تفيض على الوجوه، أو بما يجبهون به وجوههم من مساءة وإذلال. ويستبيحون المقدسات ويستهينون بها: «وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ» ويدمرون ما يغلبون عليه من مال وديار «وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً» .. وهي صورة للدمار الشامل الكامل الذي يطغى على كل شيء، والذي لا يبقي على شيء.
ولقد صدقت النبوءة ووقع الوعد، فسلط الله على بني إسرائيل من قهرهم أول مرة، ثم سلط عليهم من شردهم في الأرض، ودمر مملكتهم فيها تدميرا.
ولا ينص القرآن على جنسية هؤلاء الذين سلطهم على بني إسرائيل، لأن النص عليها لا يزيد في العبرة شيئا.
والعبرة هي المطلوبة هنا. وبيان سنة الله في الخلق هو المقصود.
ويعقب السياق على النبوءة الصادقة والوعد المفعول، بأن هذا الدمار قد يكون طريقا للرحمة: «عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ» إن أفدتم منه عبرة.
فأما إذا عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض فالجزاء حاضر والسنة ماضية: «وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا» ..
ولقد عادوا إلى الإفساد فسلط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة كلها. ثم عادوا إلى الإفساد فسلط عليهم عبادا آخرين، حتى كان العصر الحديث فسلط عليهم «هتلر» .. ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة «إسرائيل» التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات. وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، تصديقا لوعد الله القاطع، وفاقا لسنته التي لا تتخلف.. وإن غدا لناظره قريب! ويختم السياق الآية بمصير الكافرين في الآخرة لما بينه وبين مصير المفسدين من مشاكلة:
«وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً» .. تحصرهم فلا يفلت منهم أحد وتتسع لهم فلا يند عنها أحد.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2214