responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2169
«إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ» .. «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ» فيعود السياق بهم خطوة قبل خطوة القيامة. يعود بهم إلى ساعة الاحتضار، والملائكة تتوفاهم ظالمين لأنفسهم بما حرموها من الإيمان واليقين، وبما اوردوها موارد الهلاك، وبما قادوها في النهاية إلى النار والعذاب.
ويرسم مشهدهم في ساعة الاحتضار، وهم قريبو عهد بالأرض، وما لهم فيها من كذب ومكر وكيد:
«فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ!» ألقوا السلم. هؤلاء المستكبرون. فإذا هم مستسلمون لا يهمون بنزاع أو خصام، إنما يلقون السلم ويعرضون الاستسلام! ثم يكذبون- ولعله طرف من مكرهم في الدنيا- فيقولون مستسلمين: «ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ» ! وهو مشهد مخز وموقف مهين لأولئك المستكبرين! ويجيئهم الجواب: «بَلى» من العليم بما كان منهم «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» فلا سبيل إلى الكذب والمغالطة والتمويه.
ويجيئهم الجزاء جزاء المتكبرين: «فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» ! وعلى الجانب الأخر.. الذين اتقوا.. يقابلون المنكرين المستكبرين في المبدأ والمصير:
«وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا: خَيْراً. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ، وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ، كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ، يَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
إن المتقين يدركون أن الخير هو قوام هذه الدعوة، وقوام ما أنزل ربهم من أمر ونهي وتوجيه وتشريع.
فيلخصون الأمر كله في كلمة: «قالُوا: خَيْراً» ثم يفصلون هذا الخير حسبما علموا مما أنزل الله: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ» حياة حسنة ومتعة حسنة، ومكانة حسنة. «وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ» من هذه الدار الدنيا «وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ» .. ثم يفصل ما أجمل. عن هذه الدار. فإذا هي «جَنَّاتُ عَدْنٍ» للإقامة «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» رخاء. «لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ» فلا حرمان ولا كد، ولا حدود للرزق كما هي الحياة الدنيا..
«كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ» .
ثم يعود السياق خطوة بالمتقين كما عاد من قبلهم خطوة بالمستكبرين. فإذا هم في مشهد الاحتضار وهو مشهد هين لين كريم: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ» طيبة نفوسهم بلقاء الله، معافين من الكرب وعذاب الموت. «يَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ» طمأنة لقلوبهم وترحيباً بقدومهم «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» تعجيلاً لهم بالبشرى، وهم على عتاب الآخرة، جزاء وفاقاً على ما كانوا يعملون.
وفي ظل هذا المشهد بشقيه. مشهد الاحتضار ومشهد البعث. يعقب السياق بسؤال عن المشركين من قريش:
ماذا ينتظرون؟ أينتظرون الملائكة فتتوفاهم؟ أم ينتظرون أمر الله فيبعثهم. وهذا ما ينتظرهم عند الوفاة، وما ينتظرهم يوم يبعثهم الله! أوليس في مصير المكذبين قبلهم وقد شهدوه ممثلاً في ذينك المشهدين عبرة وغناء:
«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ؟ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2169
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست