responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2168
وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له. فيرجع الوافد. فذلك قوله تعالى: «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» . فإن كان الوافد ممن عزم الله له الرشاد، فقالوا له مثل ذلك قال: بئس الوافد لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل، وانظر ما يقول وآتي قومي ببيان أمره. فيدخل مكة، فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد؟ فيقولون: خيراً ... » .
فقد كانت حرب دعاية منظمة يديرها قريش على الدعوة، ويديرها امثال قريش في كل زمان ومكان من المستكبرين الذين لا يريدون الخضوع للحق والبرهان، لأن استكبارهم يمنعهم من الخضوع للحق والبرهان. فهؤلاء المستكبرون من قريش ليسوا أول من ينكر، وليسوا أول من يمكر. والسياق يعرض عليهم نهاية الماكرين من قبلهم، ومصيرهم يوم القيامة، بل مصيرهم منذ مفارقة أرواحهم لأجسادهم حتى يلقوا في الآخرة جزاءهم. يعرض عليهم هذا كله في مشاهد مصورة على طريقة القرآن المأثورة:
«قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ، وَيَقُولُ: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ؟ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ، الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ، فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ. بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» .
«قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» والتعبير يصور هذا المكر في صورة بناء ذي قواعد وأركان وسقف إشارة إلى دقته وإحكامه ومتانته وضخامتة. ولكن هذا كله لم يقف أمام قوة الله وتدبيره: «فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ» وهو مشهد للتدمير الكامل الشامل، يطبق عليهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فالقواعد التي تحمل البناء تحطم وتهدم من أساسها، والسقف يخر عليهم من فوقهم فيطبق عليهم ويدفنهم «وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» فإذا البناء الذي بنوه وأحكموه واعتمدوا على الاحتماء فيه. إذا هو مقبرتهم التي تحتويهم، ومهلكتهم التي تأخذهم من فوقهم ومن أسفل منهم. وهو الذي اتخذوه للحماية ولم يفكروا أن يأتيهم الخطر من جهته! إنه مشهد كامل للدمار والهلاك، وللسخرية من مكر الماكرين وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله، ويحسبون مكرهم لا يرد، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط!.
وهو مشهد مكرر في الزمان قبل قريش وبعدها. ودعوة الله ماضية في طريقها مهما يمكر الماكرون، ومهما يدبر المدبرون. وبين الحين والحين يتلفت الناس فيذكرون ذلك المشهد المؤثر الذي رسمه القرآن الكريم:
«فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» .
هذا في الدنيا، وفي واقع الأرض: «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ، وَيَقُولُ: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ؟» .
ويرتسم مشهد من مشاهد القيامة يقف فيه هؤلاء المستكبرون الماكرون موقف الخزي وقد انتهى عهد الاستكبار والمكر. وجاءوا إلى صاحب الخلق والأمر، يسألهم سؤال التبكيت والتأنيب: «أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ؟» أين شركائي الذين كنتم تخاصمون من أجلهم الرسول والمؤمنين، وتجادلون فيهم المقرين الموحدين؟.
ويسكت القوم من خزي، لتنطلق ألسنة الذين أوتوا العلم من الملائكة والرسل والمؤمنين وقد أذن الله لهم أن يكونوا في هذا اليوم متكلمين ظاهرين: «قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2168
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست