نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2070
وكثير من هذه التصورات كان يخالج الوثنية العربية.. من أجل هذا كان بعضهم يطلب من الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن ينبئهم بالغيب! وبعضهم كان يقترح أن يصنع لهم خوارق مادية معينة! كما أنهم كانوا يرمونه- صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر، وبأنه «مجنون» - أي على صلة بالجن! - وبعضهم كان يطلب أن يكون معه ملك ... إلى آخر هذه المقترحات والتحديات والاتهامات التي كانت متلبسة بالتصورات الوثنية عن طبيعة النبي وطبيعة النبوة! ولقد جاء هذا القرآن ليجلي الحقيقة كاملة عن طبيعة النبوة وطبيعة النبي وعن طبيعة الرسالة وطبيعة الرسول وعن حقيقة الألوهية المتمثلة في الله وحده- سبحانه- وحقيقة العبودية التي تشمل كل ما خلق الله وكل من خلق ومنهم أنبياء الله ورسله فهم عباد صالحون وليسوا خلقاً آخر غير البشر وليس لهم من خصائص الألوهية شيء وليسوا على اتصال بعوالم الجن والخفاء المسحور إنما هو الوحي من الله- سبحانه- وليس لهم وراءه شيء من القدرة على الخوارق- إلا بإذن الله حين يشاء- فهم بشر من البشر، وقع عليهم الاختيار، وبقيت لهم بشريتهم وعبوديتهم لله- سبحانه- كبقية خلق الله.
وفي هذه السورة نماذج من تجلية طبيعة النبوة والرسالة وحدود النبي والرسول وتخليص العقول والأفكار من رواسب الوثنيات كلها وتحريرها من تلك الأساطير التي أفسدت عقائد أهل الكتاب من قبل وردتها إلى الوثنية بأوهامها وأساطيرها! وقد كانت تلك التجلية تواجه تحديات المشركين الواقعية ولم تكن جدلاً ذهنياً، ولا بحثاً فلسفياً «ميتافيزيقياً» ... كانت «حركة» تواجه «الواقع» وتجاهده مجاهدة واقعية:
«وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ! إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» ..
«وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ! قُلْ: إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ» ..
«كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ، قُلْ: هُوَ رَبِّي، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ مَتابِ» ..
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ، وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً، وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ» ..
«وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ» ..
وهكذا تتجلى طبيعة الرسالة وحدود الرسول.. إنما هو منذر، ليس عليه إلا البلاغ وليس له إلا أن يتلو ما أوحي إليه، وما كان له أن يأتي بخارقة إلا بإذن لله. ثم هو عبد لله، الله ربه، وإليه متابه ومآبه وهو بشر من البشر يتزوج وينسل ويزاول بشريته كاملة بكل مقتضيات البشرية كما يزاول عبوديته لله كاملة بكل مقتضيات العبودية..
وبهذه النصاعة الكاملة في العقيدة الإسلامية تنتهي تلك الأوهام والأساطير المهِّومة في الفضاء والظلام، حول طبيعة النبوة وطبيعة النبي، وتخلص العقيدة من تلك التصورات المحيرة التي حفلت بها العقائد الكنسية كما حفلت بها شتى العقائد الوثنية والتي قضت على «المسيحية» منذ القرن الأول لها أن تكون إحدى العقائد الوثنية في طبيعتها وحقيقتها، بعد ما كانت عقيدة سماوية على يد المسيح عليه السلام تجعل المسيح عبد الله لا يأتي بآية إلا بإذن الله.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2070