نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2026
ويرد عليهم الرجل بأن يتركوه لربه، فهو لا يشكو لأحد من خلقه، وهو على صلة بربه غير صلتهم، ويعلم من حقيقته ما لا يعلمون:
«قال: إنما أشكو بثي [1] وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون» .
وفي هذه الكلمات يتجلى الشعور بحقيقة الألوهية في هذا القلب الموصول كما تتجلى هذه الحقيقة ذاتها بجلالها الغامر، ولألائها الباهر.
إن هذا الواقع الظاهر الميئس من يوسف، وهذا المدى الطويل الذي يقطع الرجاء من حياته فضلاً على عودته إلى أبيه، واستنكار بنيه لهذا التطلع بعد هذا الأمد الطويل في وجه هذا الواقع الثقيل.. إن هذا كله لا يؤثر شيئاً في شعور الرجل الصالح بربه. فهو يعلم من حقيقة ربه ومن شأنه ما لا يعلم هؤلاء المحجوبون عن تلك الحقيقة بذلك الواقع الصغير المنظور! وهذه قيمة الإيمان بالله، ومعرفته سبحانه هذا اللون من المعرفة. معرفة التجلي والشهود وملابسة قدرته وقدره، وملامسة رحمته ورعايته، وإدراك شأن الألوهية مع العبيد الصالحين.
إن هذه الكلمات: َ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ»
تجلو هذه الحقيقة بما لا تملك كلماتنا نحن أن تجلوها.
وتعرض مذاقاً يعرفه من ذاق مثله، فيدرك ماذا تعني هذه الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب..
والقلب الذي ذاق هذا المذاق لا تبلغ الشدائد منه- مهما بلغت- إلا أن يتعمق اللمس والمشاهدة والمذاق! ولا نملك أن نزيد. ولكننا نحمد الله على فضله في هذا، وندع ما بيننا وبينه له يعلمه سبحانه ويراه..
ثم يوجههم يعقوب إلى تلمس يوسف وأخيه وألا ييأسوا من رحمة الله، في العثور عليهما، فإن رحمة الله واسعة وفرجه دائماً منظور:
«يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من روح الله. إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» ..
فيا للقلب الموصول!!! «يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه» ..
تحسسوا بحواسكم، في لطف وبصر وصبر على البحث. ودون يأس من الله وفرجه ورحمته. وكلمة «روح» أدق دلالة وأكثر شفافية. ففيها ظل الاسترواح من الكرب الخانق بما ينسم على الأرواح من روْح الله الندي:
«إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» ..
فأما المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله، الندية أرواحهم بروْحه، الشاعرون بنفحاته المحيية الرخية، فإنهم لا ييأسون من روْح الله ولو أحاط بهم الكرب، واشتد بهم الضيق. وإن المؤمن لفي روح من ظلال إيمانه، وفي أنس من صلته بربه، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه، وهو في مضايق الشدة ومخانق الكروب ...
ويدخل إخوة يوسف مصر للمرة الثالثة، وقد أضرت بهم المجاعة، ونفدت منهم النقود، وجاءوا [1] همي ومصيبتي.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2026