نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1940
سواء عبودية الاعتقاد، أو عبودية الشعائر، أو عبودية الشرائع.. فكلها عبودية وبعضها مثل بعض تخضع الرقاب لغير الله بإخضاعها للتلقي في أي شأن من شؤون الحياة لغير الله.
والناس لا يملكون أن يعيشوا غير مدينين! لا بد للناس من دينونة. والذين لا يدينون لله وحده يقعون من فورهم في شر ألوان العبودية لغير الله في كل جانب من جوانب الحياة! إنهم يقعون فرائس لأهوائهم وشهواتهم بلا حد ولا ضابط. ومن ثم يفقدون خاصتهم الآدمية ويندرجون في عالم البهيمة:
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ، وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ» ... (محمد: 12) ولا يخسر الإنسان شيئاً كأن يخسر آدميته، ويندرج في عالم البهيمة، وهذا هو الذي يقع حتماً بمجرد التملص من الدينونة لله وحده، والوقوع في الدينونة للهوى والشهوة.
ثم هم يقعون فرائس لألوان من العبودية للعبيد.. يقعون في شر ألوان العبودية للحكام والرؤساء الذين يصرفونهم وفق شرائع من عند أنفسهم، لا ضابط لها ولا هدف إلا حماية مصالح المشرعين أنفسهم- سواء تمثل هؤلاء المشرعون في فرد حاكم، أو في طبقة حاكمة، أو في جنس حاكم- فالنظرة على المستوى الإنساني الشامل تكشف عن هذه الظاهرة في كل حكم بشري لا يستمد من الله وحده، ولا يتقيد بشريعة الله لا يتعداها..
ولكن العبودية للعبيد لا تقف عند حدود العبودية للحكام والرؤساء والمشرعين.. فهذه هي الصورة الصارخة، ولكنها ليست هي كل شيء! .. إن العبودية للعباد تتمثل في صور أخرى خفية ولكنها قد تكون أقوى وأعمق وأقسى من هذه الصورة! ونضرب مثالاً لهذا تلك العبودية لصانعي المودات والأزياء مثلاً! أي سلطان لهؤلاء على قطيع كبير جداً من البشر؟ .. كل الذين يسمونهم متحضرين..! إن الزي المفروض من آلهة الأزياء- سواء في الملابس أو العربات أو المباني أو المناظر أو الحفلات ... الخ.. ليمثل عبودية صارمة لا سبيل لجاهلي ولا لجاهلية أن يفلت منها أو يفكر في الخروج عنها! ولو دان الناس- في هذه الجاهلية «الحضارية!» لله بعض ما يدينون لصانعي الأزياء لكانوا عباداً متبتلين! .. فماذا تكون العبودية إن لم تكن هي هذه؟ وماذا تكون الحاكمية والربوبية إن لم تكن هي حاكمية وربوبية صانعي الأزياء أيضاً؟! وإن الإنسان ليبصر أحياناً بالمرأة المسكينة، وهي تلبس ما يكشف عن سوآتها، وهو في الوقت ذاته لا يناسب شكلها ولا تكوينها، وتضع من الأصباغ ما يتركها شائهة أو مثاراً للسخرية! ولكن الألوهية القاهرة لأرباب الأزياء والمودات تقهرها وتذلها لهذه المهانة التي لا تملك لها رداً، ولا تقوى على رفض الدينونة لها، لأن المجتمع كله من حولها يدين لها. فكيف تكون الدينونة إن لم تكن هي هذه؟ وكيف تكون الحاكمية والربوبية إن لم تكن هي تلك؟! وليس هذا إلا مثلاً واحداً للعبودية المذلة حين لا يدين الناس لله وحده وحين يدينون لغيره من العبيد..
وليست حاكمية الرؤساء والحكام وحدها هي الصورة الكريهة المذلة لحاكمية البشر للبشر، ولعبودية البشر للبشر! وهذا يقودنا إلى قيمة توحيد العبادة والدينونة في صيانة أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم، التي تصبح كلها ولا عاصم لها عند ما يدين العباد للعباد، في صورة من صور الدينونة.. سواء في صورة حاكمية التشريع، أو في صورة حاكمية الأعراف والتقاليد، أو في صورة حاكمية الاعتقاد والتصور..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1940