نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1933
وهذه الإشارة تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم. فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير. فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها، إما بهلاك الاستئصال. وإما بهلاك الانحلال..
والاختلال! فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب.. وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره.. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع..
والتعقيب الأخير عن اختلاف البشر إلى الهدى وإلى الضلال، وسنة الله المستقيمة في اتجاهات خلقه إلى هذا أو ذاك:
«وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً. وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ- إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ- وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ. وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ..
لو شاء الله لخلق الناس كلهم على نسق واحد، وباستعداد واحد.. نسخاً مكرورة لا تفاوت بينها ولا تنويع فيها. وهذه ليست طبيعة هذه الحياة المقدرة على هذه الأرض. وليست طبيعة هذا المخلوق البشري الذي استخلفه الله في الأرض.
ولقد شاء الله أن تتنوع استعدادات هذا المخلوق واتجاهاته. وأن يوهب القدرة على حرية الاتجاه. وأن يختار هو طريقه، ويحمل تبعة الاختيار. ويجازى على اختياره للهدى أو للضلال.. هكذا اقتضت سنة الله وجرت مشيئته. فالذي يختار الهدى كالذي يختار الضلال سواء في أنه تصرف حسب سنة الله في خلقه، ووفق مشيئته في أن يكون لهذا المخلوق أن يختار، وأن يلقى جزاء منهجه الذي اختار.
شاء الله ألا يكون الناس أمة واحدة. فكان من مقتضى هذا أن يكونوا مختلفين. وأن يبلغ هذا الاختلاف أن يكون في أصول العقيدة- إلا الذين أدركتهم رحمة الله- الذين اهتدوا إلى الحق- والحق لا يتعدد- فاتفقوا عليه. وهذا لا ينفي أنهم مختلفون مع أهل الضلال.
ومن المقابل الذي ذكره النص:
«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ..
يفهم أن الذين التقوا على الحق وأدركتهم رحمة الله لهم مصير آخر هو الجنة تمتلىء بهم كما تمتلئ جهنم بالضالين المختلفين مع أهل الحق، والمختلفين فيما بينهم على صنوف الباطل ومناهجه الكثيرة! والخاتمة الأخيرة. خطاب للرسول- صلى الله عليه وسلم- عن حكمة سوق القصص إليه في خاصة نفسه للمؤمنين. فأما الذين لا يؤمنون فليلق إليهم كلمته الأخيرة، وليفاصلهم مفاصلة حاسمة، وليخل بينهم وبين ما ينتظرهم في غيب الله. ثم ليعبد الله ويتوكل عليه، ويدع القوم لما يعملون..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1933