responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1873
من صورها الكثيرة. وإن بدت في ثوب من الحضارة المادية قشيب [1] . وهي انتكاسة للبشرية من غير شك، لأنها تصغر من القيم التي بها صار الإنسان إنساناً، واستحق الخلافة في الأرض، وتلقى الرسالة من السماء وترجع به إلى قيم أقرب إلى الحيوانية العضلية الفيزيقية! «بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ» ...
وهي التهمة الأخيرة يقذفون بها في وجه الرسول وأتباعه. ولكنهم على طريقة طبقتهم.. «الأرستقراطية» ..
يلقونها في أسلوب التحفظ اللائق «بالأرستقراط!» «بل نظنكم!» لأن اليقين الجازم في القول والإتجاه من طبيعة الجماهير المندفعة- بادي الرأي- التي يترفع عنها السادة المفكرون المتحفظون! إنه النموذج المتكرر من عهد نوح، لهذه الطبقة المليئة الجيوب الفارغة القلوب، المتعاظمة المدعية المنتفخة الأوداج والأمخاخ!! ويتلقى نوح- عليه السلام- الإتهام والإعراض والاستكبار، في سماحة النبي وفي استعلائه وفي ثقته بالحق الذي جاء به، واطمئنانه إلى ربه الذي أرسله وفي وضوح طريقه أمامه واستقامة منهجه في شعوره. فلا يشتم كما شتموا، ولا يتهم كما اتهموا، ولا يدعي كما ادعوا، ولا يحاول أن يخلع على نفسه مظهراً غير حقيقته ولا على رسالته شيئاً غير طبيعتها..
«قالَ: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ. أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ؟ وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا، إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ. وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ وَلا أَقُولُ لَكُمْ: عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَلا أَقُولُ: إِنِّي مَلَكٌ، وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ: لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً. اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ، إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ..
«يا قوم» .. في سماحة ومودة بندائهم ونسبتهم إليه، ونسبة نفسه إليهم. إنكم تعترضون فتقولون: «ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا» .. فما يكون رأيكم إن كنت على اتصال بربي، بيِّن في نفسي مستيقن في شعوري. وهي خاصية لم توهبوها. وإن كان الله آتاني رحمة من عنده باختياري للرسالة، أو آتاني من الخصائص ما أستحق به حمل الرسالة- وهذه رحمة ولا شك عظيمة- ما رأيكم إن كانت هذه وتلك فخفيت عليكم خفاء عماية، لأنكم غير متهيئين لإدراكها، وغير مفتوحي البصائر لرؤيتها. «أنلزمكموها؟ [2] » إنه ما كان لي وما أنا بمستطيع أن ألزمكم الإذعان لها والإيمان بها «وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ» ! وهكذا يتلطف نوح في توجيه أنظارهم ولمس وجدانهم وإثارة حساسيتهم لإدراك القيم الخفية عليهم، والخصائص التي يغفلون عنها في أمر الرسالة والإختيار لها: ويبصرهم بأن الأمر ليس موكولاً إلى الظواهر

[1] في أمريكا اليوم يقاس الرجل يدخله، ويوزن برصيده في البنك!!! وموجة الجاهلية الوثنية تطغى من أمريكا على العالم حتى في الشرق الذي يزعم أنه مسلم!!!
[2] جاء في كتاب: «التصوير الفني في القرآن» في فصل التناسق الفني أن اللفظ في القرآن قد يرسم بجرسه صورة كاملة. ومن أمثلته أنك «تتلو حكاية قول نوح: «أرأيتم إن كنت على بينة من ربي، وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم. أنلزمكموها وأنتم لها كارهون؟» فتحس أن كلمة «أنلزمكموها» تصور جو الإكراه بإدماج كل هذه الضمائر في النطق وشد بعضها إلى بعض، كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون، ويشدون إليه وهم نافرون! وهكذا يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية وأرفع من الفصاحة اللفظية ...
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1873
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست