نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1775
«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.. مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا» ..
لا تزيدون عليه! «ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
فهو حساب الآخرة وجزاؤها كذلك، بعد شقوة الدنيا وعذابها ابتداء.
وما قيمة «مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا» هذا وما حقيقته؟ يصور السياق هذه الحقيقة في مشهد من مشاهد القرآن التصويرية الحافلة بالحركة والحياة، وهي مع ذلك من المشاهدات التي تقع في كل يوم، ويمر عليها الأحياء دون انتباه:
«إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ. حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ، وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها.. أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ. كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ..
ذلك مثل الحياة الدنيا التي لا يملك الناس إلا متاعها، حين يرضون بها، ويقفون عندها، ولا يتطلعون منها إلى ما هو أكرم وأبقى..
هذا هو الماء ينزل من السماء، وهذا هو النبات يمتصه ويختلط به فيمرع ويزدهر. وها هي ذي الأرض كأنها عروس مجلوة تتزين لعرس وتتبرج. وأهلها مزهوون بها، يظنون أنها بجهدهم ازدهرت، وبإرادتهم تزينت، وأنهم أصحاب الأمر فيها، لا يغيرها عليهم مغير، ولا ينازعهم فيها منازع.
وفي وسط هذا الخصب الممرع، وفي نشوة هذا الفرح الملعلع، وفي غمرة هذا الاطمئنان الواثق..
«أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ» ..
في ومضة، وفي جملة، وفي خطفة.. وذلك مقصود في التعبير بعد الإطالة في عرض مشهد الخصب والزينة والاطمئنان.
وهذه هي الدنيا التي يستغرق فيها بعض الناس، ويضيعون الآخرة كلها لينالوا منها بعض المتاع.
هذه هي. لا أمن فيها ولا اطمئنان، ولا ثبات فيها ولا استقرار، ولا يملك الناس من أمرها شيئاً إلا بمقدار.
هذه هي..
«وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .
فيالبعد الشقة بين دار يمكن أن تطمس في لحظة، وقد أخذت زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها فإذا هي حصيد كأن لم تغن بالأمس.. ودار السلام التي يدعو إليها الله، ويهدي من يشاء إلى الصراط المؤدي لها. حينما تنفتح بصيرته، ويتطلع إلى دار السلام.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1775