responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1774
وهذه مشاعر أهل الفلك ندركها:
«وَفَرِحُوا بِها» ..
وفي هذا الرخاء الآمن، وفي هذا السرور الشامل، تقع المفاجأة، فتأخذ الغارين الآمنين الفرحين:
«جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ» .
يا للهول! «وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ» ..
وتناوحت الفلك واضطربت بمن فيها، ولاطمها الموج وشالها وحطها، ودار بها كالريشة الضائعة في الخضم.. وهؤلاء أهلها في فزع يظنون أن لا مناص:
«وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ» ..
فلا مجال للنجاة..
عندئذ فقط، وفي وسط هذا الهول المتلاطم، تتعرى فطرتهم مما ألم بها من أوشاب، وتنفض قلوبهم ما ران عليها من تصورات، وتنبض الفطرة الأصيلة السليمة بالتوحيد وإخلاص الدينونة لله دون سواه:
«دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» ! وتهدأ العاصفة ويطمئن الموج، وتهدأ الأنفاس اللاهثة، وتسكن القلوب الطائرة، وتصل الفلك آمنة إلى الشاطئ، ويوقن الناس بالحياة، وأرجلهم مستقرة على اليابسة. فماذا؟
«فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ!» ..
هكذا بغتة ومفاجأة! إنه مشهد كامل، لم تفتنا منه حركة ولا خالجة.. مشهد حادث. ولكنه مشهد نفس، ومشهد طبيعة ومشهد نموذج بشري لطائفة كبيرة من الناس في كل جيل. ومن ثم يجيء التعقيب تحذيراً للناس أجمعين:
«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» ..
سواء كان بغياً على النفس خاصة، بإيرادها موارد التهلكة، والزج بها في ركب الندامة الخاسر بالمعصية أو كان بغياً على الناس فالناس نفس واحدة. على أن البغاة ومن يرضون منهم البغي يلقون في أنفسهم العاقبة.
والبغي لا يتمثل في أبشع ولا أشنع من البغي على ألوهية الله سبحانه، واغتصاب الربوبية والقوامة والحاكمية ومزاولتها في عباده.
والناس حين يبغون هذا البغي يذوقون عاقبته في حياتهم الدنيا، قبل أن يذوقوا جزاءه في الدار الآخرة.
يذوقون هذه العاقبة فساداً في الحياة كلها لا يبقى أحد لا يشقى به، ولا تبقى إنسانية ولا كرامة ولا حرية ولا فضيلة لا تضارّ به.
إن الناس إما أن يخلصوا دينونتهم لله. وإما أن يتعبدهم الطغاة. والكفاح لتقرير ألوهية الله وحدها في الأرض، وربوبية الله وحدها في حياة البشر، هو كفاح للإنسانية وللحرية وللكرامة وللفضيلة، ولكل معنى كريم يرتفع به الإنسان على ذل القيد، ودنس المستنقع، وامتهان الكرامة، وفساد المجتمع، ودناءة الحياة!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1774
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست