responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1734
إنه الواجب الذي يوجبه الحياء من رسول الله- فضلاً على الأمر الصادر من الله- ومع هذا فالجزاء عليه ما أسخاه! «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ، وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا، إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ، إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً، وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً، إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» ..
إنه على الظمأ جزاء، وعلى النصب جزاء، وعلى الجوع جزاء. وعلى كل موطئ قدم يغيظ الكفار جزاء.
وعلى كل نيل من العدو جزاء. يكتب به للمجاهد عمل صالح، ويحسب به من المحسنين الذين لا يضيع لهم الله أجراً.
وإنه على النفقة الصغيرة والكبيرة أجر. وعلى الخطوات لقطع الوادي أجر.. أجر كأحسن ما يعمل المجاهد في الحياة.
ألا والله، إن الله ليجزل لنا العطاء. وإنها والله للسماحة في الأجر والسخاء. وإنه لمما يخجل أن يكون ذلك كله على أقل مما احتمله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الشدة واللأواء. في سبيل هذه الدعوة التي نحن فيها خلفاء، وعليها بعده أمناء! ويبدو أن تنزل القرآن في هذه السورة بالنكير على المتخلفين والتنديد بالتخلف وبخاصة من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب قد جعل الناس يتزاحمون في المدينة ليكونوا رهن إشارة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبخاصة من القبائل المحيطة بالمدينة. مما اقتضى بيان حدود النفير العام- في الوقت المناسب للبيان من الناحية الواقعية- فقد اتسعت رقعة الأرض الإسلامية حتى كادت الجزيرة كلها تدين للإسلام، وكثر عدد الرجال المستعدين للجهاد، وقد بلغ من عددهم- بعد تخلف المتخلفين في تبوك- نحواً من ثلاثين ألفاً، الأمر الذي لم يتهيأ من قبل في غزوة من غزوات المسلمين. وقد آن أن تتوزع الجهود في الجهاد وفي عمارة الأرض وفي التجارة وفي غيرها من شؤون الحياة التي تقوم بها أمة ناشئة وهي تختلف عن مطالب القبيلة الساذجة، وعن حاجات المجتمع القبلي الأولية.. ونزلت الآية التالية تبين هذه الحدود في جلاء:
«وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ، لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» ..
ولقد وردت روايات متعددة في تفسير هذه الآية، وتحديد الفرقة التي تتفقه في الدين وتنذر قومها إذا رجعت إليهم.. والذي يستقيم عندنا في تفسير الآية: أن المؤمنين لا ينفرون كافة. ولكن تنفر من كل فرقة منهم طائفة- على التناوب بين من ينفرون ومن يبقون- لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم، بما رأته وما فقهته من هذا الدين في أثناء الجهاد والحركة..
والوجه في هذا الذي ذهبنا إليه- وله أصل من تأويل ابن عباس- رضي الله عنهما- ومن تفسير الحسن البصري، واختيار ابن جرير، وقول لابن كثير- أن هذا الدين منهج حركي، لا يفقهه إلا من يتحرك به فالذين يخرجون للجهاد به هم أولى الناس بفقهه بما يتكشف لهم من أسراره ومعانيه وبما يتجلى لهم من آياته وتطبيقاته العملية في أثناء الحركة به. أما الذين يقعدون فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممن تحركوا،

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1734
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست